كهوف بلدة ارزي المطلة على نهر الليطاني .. سكنها إنسان العصور الحجرية واستخدمها مدافن وأماكن عبادة .. وكانت ملجأً لأهالي ارزي في الحرب العالمية الثانية واليوم أصبحت موطناً للخفافيش مهملة ولا يستفاد منها سياحياً

رضا دياب / موقع ارزي

تشتهر بلدة ارزي بوجود عدد من الكهوف فيها الموجود في منطقة الجران المطلة مباشرة على نهر الليطاني
هناك العديد من الكهوف(المغاور)الموجودة في بلدة إرزي أبرزها:
– مغارة الشاي: يعود أصل التسمية إلى مجموعةٍ من الأشخاص كانوا يقومون بالذهاب إليها ويشربون الشاي فيها فأخذت هذا الأسم مع الوقت وتحت هذه المغارة يوجد مغارة كبيرة إختلف الناس في تسميتها
– مغارة السِدة: يعود أصل التسمية إلى وجود سِدة(التتخيتة) في أعلاها ويقال أن الكهف الموجود بداخلها يوصل إلى تحت مقبرة إرزي أي يبلغ طوله حوالي 3 كلم وكما هناك العديد من طيور الحمام تعيش فيها
– مغارة سبع بواب: يعود أصل التسمية لوجود سبعة أبواب لها
– مغارة البطين: لوجود شجرة البطين على بابها
– مغارة الوطاويط: لوجود اعداد هائلة من الوطاويط بداخلها
إضافة الى العشرات من الكهوف الصغيرة التي لا يوجد لها أسماء وتتوزع على (الجران) وكما هناك العديد من التعضيمات في الصخور التي تأخذ شكلاً أثرياً جميلاً.
هذا هي المعلومات المتوفرة عن الكهوف رغم أننا منذ سنوات ونحن نبحث في الكتب التاريخية التي كتبت عن تاريخ جبل عامل إلا أننا لم نجد أي معلومات عنها حتى الآن الى أن صادف أمامنا نص لأحد المواطنين يدعى خضر ضيا يروي فيه تفاصل رحلته الى هذه الكهوف برفقة الأستاذ والباحث التاريخي الأستاذ حسن علي ضيا

يروي السيد خضر ضيا فيقول في نص رحلته التوثيقية مع الصور المرفقة أدناه :

كانت ، رحلةً توثيقيَّةً إلى كهوف بلدة إِرْزَىْ الجنوبية ، جارة نهر الليطاني إحدى قرى قضاء الزهراني ، في سياق الرحلات التي نقوم بها ، لتعميم الفائدة ونشر المعرفة عن مواطن إنسان العصور الحجريَّة ، الذي شغل منذ عشرات آلاف السنين الكهوف والمغاور الطبيعيَّة اتقاءً للمطر وحرارة الشمس ، فاتّخذها سكناً له ولأفراد عائلته وجماعته .
الرحلة كانت ممتعة جداً بخاصة وقد شارك فيها الأستاذ حسين علي ضيا ، الولِهُ بدراسة التاريخ والحضارات القديمة .
كانت رحلة ترفيهيَّةً ، ثقافيَّةً ورياضيَّة بكلِّ ما للكلمة من معنى …

لم نكد نصل صباحاً إلى قرية إِرزي حتَّى سلكنا الطريق الترابي المتفرِّع بالقرب من المسجد ، والمؤدِّي إلى مزارع السيِّد علي الشرقاوي ، القريبة من ” شقافين ” إرزي ( جمع شقيف ) ، حيث ركنَّا السيارة وانحدرنا جنوباً ، بمحاذاة مجرى الماء الشتوي ، في طريقٍ وعرٍ باتجاه النهر ، تحفُّ به أشجار السنديان والخرّوب من كلِّ جانبٍ ، وبعد حوالي المئتي متراً انعطفنا غرباً بموازاة مجرى النهر باتجاه الكهوف المعلَّقة بين السماء والأرض ، نستمع إلى تغريد البلابل والطيور المختلفة وكأنَّنا في عالمٍ آخر عمَّا إلفناه من ضجيج الحضارة وجلبتها لتنصهر ذواتنا في صفاء الطبيعة البكر وسكونها .
كهوف أرزي هي أربعة . يستقبلك الكهف الأول من جهة الشرق ، الذي يرتفع قليلاً عن الطريق بلون جدرانه البيضاء وتربته الحوَّارة . في داخله حفر الإنسان في مراحل لاحقة بعض الغرف التي كانت تُستخدم كمدافن أو أماكن للعبادة . الكهف الثاني الذي يليه غرباً أقلُّ منه اتساعاً وارتفاعاً ، الكهف الثالث توجد على مدخله شجرة تينٍ عملاقة وهو متوسط الإرتفاع إلّا أنّه اكثر عمقاً . الكهف الرابع وهو الأكثر اتساعاً وارتفاعاً .

صور للكهوف الموجودة في رأس الجبل الى جهة اليمين من الصورة بعدسة رضا دياب
تلك الكهوف سكنها إنسان ما قبل التاريخ ، يدلُّ على ذلك ما يُعثر عليه من أدواتٍ حجريَّة في الداخل والجوار ، ثم سكنها إنسان الحضارات الأولى فيما بعد ، ليجري بعض التعديلات في داخلها من حفر غرف صغيرة استخدمت لغاياتٍ مختلفة ( سكن ، مدافن ، عبادة ) ، تاركاً خلفه بعض شظايا قطع الفخَّار وفي الجوار بعض الأجران الحجريَّة وبقايا أحجار الرحى ومعاصر الزيتون والعنب .
كذلك استخدم الرعاة تلك الكهوف فيما لإيواء قطعان ماشيتهم على مرِّ العصور . وفي الحرب العالمية الثانية لجأ أهالي قرية إرزي اليها عندما احتدم القتال بين قوات الحلفاء وقوات حكومة فيشي بالقرب من القاسميّة ومنطقة الواسطة حيث كانت تُسمع أصوات ” المتروليوزات ” ( أسلحة رشّاشات ثقيلة ) بوضوح .
بعد انتهاء الزيارة تابعت بمفردي السير نزولاً نحو مجرى النهر فيما صعد مرافقي الأستاذ حسين إلى القرية لإحضار السيارة وموافاتي إلى إحدى الإستراحات المنتشرة على ضفتي مجرى النهر . ولم أكد أصل إلى الأسفل حتّى اعترضتني مشكلة اجتياز قناة ري القاسمية ، وكان عليَّ أن أسير على ضفّتها اليمنى مسافة مئة متر لأتسلَّق بصعوبة بوابة أحد ” التونيلات “(الأنفاق) لأنتقل إلى الضفة المقابلة . وقناة ري القاسمية تلك أنشأتها سلطات الإنتداب الفرنسي لجرِّ قسمٍ من مياه النهر بهدف ريِّ سهول الحمضيَّات والموز ما بين مدينتي صيدا وصور !!!. ذلك الإنتداب الذي كان أشدَّ رأفةً بالمواطن من حكومات الإستقلال التي ما فتئت حتى اليوم تعمد إلى سلب الشعب ونهبه .

للأسف الشديد إنَّ هذه الكهوف مهملة ولا يُستفاد منها سياحيَّا ، وقد أصبحت موطناً للخفافيش و ” النياص ” ( الشياهب ) ، بعد أن كانت في أزمنة غابرة تضجُّ بالحياة ….
في الصور الأخيرة ، صور لأجران وأحجار رحى . وصورة لريش النياص ، وصورة لأداة حجريَّة عثرنا عليها على عجلٍ وبمحض الصدفة ، لأنَّ البحث عن تلك الأدوات يحتاج إلى عملٍ أكاديميٍ ودؤوب .

كانت المتعة أن تجلس في موضع جلس فيه آلاف البشر قبلك على مر العصور ، وأن تجلس في أحضان الطبيعة وقد عاد بك الزمن عشرات آلاف السنين إلى الوراء ،
إنَّها متعةٌ لا يتذوقها إلّا هواتها ….

ختم نص الرحلة التوثيقية

نضيف : هذه المغاور حالياً مهملة رغم وعد البلدية في ارزي في برنامجها الانتخابي بالبحث والعمل على الاستفادة منها سياحياً رغم أنها موجودة في أملاك خاصة وتطل على نهر الليطاني والجنوب اللبناني بأكمله
هذا الكلام في العام 2016 وها نحن اليوم على أبواب 2020 ولم نرَ أي تحرك حتى الآن

الصور لخضر ضيا

شارك المقال:

زر الذهاب إلى الأعلى