ماذا عن استحقاق ثبات الليرة في ظل الحراك؟

طالت حركات الإضراب لبنان بأسره عامدة إلى شلّ معظم القطاعات بما فيها ركيزة الاقتصاد اللبناني “على علّاته”، القطاع المصرفي. تهدف حركة الإضراب التي قاربت العصيان المدني إلى إيصال مطالبها المعيشية بعد أن استنزف الدولة الفساد والنهب وباتت الطبقتان الفقيرة والمتوسطى كبش الفداء لأي خطوة إصلاحية.

كما قبل الحراك، لا يزال لبنان على موعد مع استحقاق مالي جديد متمثل بأزمة صمود الليرة. هذا الاستحقاق جعل المصارف تعلّق عملها طوال الأسبوع الماضي. لم تهدف المصارف إلى دعم الحراك وهي أحد أهم المستهدفين منه، إلا أن ثبات الليرة وحماية الودائع هو مصلحة أساسية للقطاع لم يكن من الممكن أن تتحقق إلا عبر إقفال أبوابها.

عمليًا، شَلُّ القطاع المصرفي هو وجهة أخرى لقطع الطرقات وشلّ الأسواق. المعاملات البنكية من شيكات، تحويلات مالية، إيداع وسحب أموال كلها اقتصرت على ما تستطيع أن تغطيه الصرافات الآلية للبنوك. هذا يعني أن السوق المالية في البلد قد تعرضت لصدمة قوية امتدت على مدى أيام.

في الواقع، المصارف هربت من مأزق أساسي، هو الطلب على الدولار. وفي حال تردي الأوضاع أكثر سيرتفع لديها احتمال سحب الودائع منها. وهذا ما يمثل ضربة قاسية تهدّم القطاع.

نظريا، إن الأزمات السياسية تترجم ماليا تحت مقولة تشتهر في عالم المال: رأس المال جبان. بمعنى آخر إن أصحاب الأموال يودعون أموالهم في المصارف لتقاضي الفوائد ثمن الوقت والمخاطرة. فإذا ما ارتفعت نسب المخاطرة في ظل الأوضاع السياسية أو الأمنية يسارع أصحاب هذه الأموال لطلبها ما يولد “Bank Crisis” أزمة مصارف.

وهذا ما تخشاه المصارف اللبنانية عند فتح أبوابها. فالليرة كانت تعاني من قبل الحراك وكان يعمد المصرف المركزي على تثبيتها من خلال سلسلة من التعاميم تفيد بسحب الدولار من الأسواق وحصره بالمعاملات البنكية إثر وقوع المصرف المركزي بأزمة شح الدولار والتي يحتاجها للتدخل في الأسواق للحفاظ على العملة. بمعنى علمي وأدق، في حال انتهج المصرف المركزي سياسة تثبيت سعر الصرف يقوم بشراء العملة وبيعها بحسب العرض والطلب عليها في الأسواق. فإذا ما ارتفع سعر العملة الوطنية يقوم المصرف المركزي بزيادة الطلب على الدولار واذا انخفض الطلب عليها يقوم بشرائها. لتغطية هذه المعاملة يحتاج المصرف المركزي احتياطي عملات مرتفعاً. وخزان العملات الأجنبية في لبنان بدأ ينضب فبدأت أزمة انهيار الليرة تلوح بالأفق.

بعيدًا عن أسباب أزمة الليرة التراكمية، فإن العوامل السياسية تترجم على طلب العملة وعرضها. مثلما أثرت سابقا أزمة اختطاف الرئيس سعد الحريري في السعودية في ظروف ملتبسة ما جعل المصرف المركزي يضخ حوالي مليار دولار بحسب التقديرات للحفاظ على ثبات سعر الصرف.

حاليا لا يمكن تجاهل حساسية الموقف، بحيث أضاف هذا الحراك ضغطا جديدا على الليرة. وهذا ما يضع المصارف إضافة إلى المصرف المركزي أمام استحقاق جديد من القدرة على الحفاظ على الليرة إضافة إلى أزمة مصارف إذا ما تدهور الوضع.

من المتوقع أن تفتح المصارف أبوابها في بداية الأسبوع المقبل، أو هذا ما تأمله الحكومة الحالية لتعيد الجزء الأكبر من الاقتصاد للعمل. فالمصرف المركزي والمصارف ستحاول نشر روح الطمأنينة من خلال تعاميم واجراءات داخلية لتبقى الليرة على حالتها على الأقل ولا تسوء كي لا تنهار ولا تقع المصارف بأزمة طلب الودائع.

ولكن إن لم يستطع القطاع المصرفي تهدئة الأسواق، لا حد أدنى معروفًا لهذا الانهيار. سيستطيع لبنان تخطي هذه الأزمة ولكن لا بد من صياغة اسلوب جديد في السياسة النقدية لكي لا يبقى لبنان رهينة انهيار الليرة.

شارك المقال:

زر الذهاب إلى الأعلى