مواقع التواصل، بين الضوابط والانضباط الذاتي..
أمين أبوراشد
ركَّزت بعض وسائل الإعلام المرئية خلال الأسبوع الماضي، على مشكلة إنحدار مستوى التخاطب بين الناشطين على مواقع التواصل الإجتماعي في لبنان، وتجاهلت هذه الوسائل، أن بعضها، تجني محصول البذور التي زرعتها في عقول الأجيال الشابة بشكل خاص وتحديداً منذ العام 2011، الى أن بدأت ظاهرة “التويتر” كمنبر لبعض السياسيين في لبنان خلال السنوات الثلاث الأخيرة، فبات فلتان الكلام “حلالاً زلالاً” للمناصرين على وقع كل تغريدة لزعيم وتغريدة مُضادة من “المقلب الآخر”، وصولاً الى ارتفاع لغة الشارع وانتهاء أحياناً بالنزول الى الشارع!
لجأت وسائل الإعلام المرئية في لبنان عدة مرات الى عقد نوع من “ميثاق الشرف”، لكن هذا الميثاق بوجوده أو عدم وجوده، التزمت بأدبياته المحطات المُلتزِمة أصلاً بسياسة إعلامية موجَّهة، سواء من إدارة المحطَّة أو من الجهة السياسية التي لها ثقافتها الثابتة في الخطاب السياسي، فيما بعض الإعلاميين يُجيدون سكب الزيت على النار لتحقيق “رايتنغ” عالٍ في مبارزة للقدرات والمواهب ولو على حساب نحرِ وطن!
لكن الإعلام الإلكتروني ومواقع التواصل يصعب حتى على المستوى الدولي وضع قوانين وضوابط له. وهنا تبرز إشكالية تفسير ما يُعرف بالإلتزام، لأن هناك وسائل إعلامية مُلتزمة بالمفهوم التجاري أو المالي، أو مُرتهنة لمصادر التمويل، لكن معاني الإلتزام في وطنٍ كلبنان واجه ويواجه مخاطر وجودية ومصيرية، يجب تطبيقها وفق قاعدة واحدة ومعيار واحد: التربية البيتية أولاً، والثقافية / السياسية ثانياً، والوطنية الجامعة على القِيَم ثالثاً وأخيراً، والمنهاج المشترك بين المراحل الثلاث هو نفسه: أدبيات الخطاب الراقي، وهذا ما يجب تطبيقه على وسائل الإعلام كي ينسحب تدريجياً على مواقع التواصل.
ولأدبيات الخطاب الراقي حتى مع الخصم أسيادها إن لم نقُل أربابها، لو كانت لدى البعض نوايا بناء مجتمع إنساني لبناني مُتماسك ووطن مُحصَّن، ولذلك، وقبل أن “تتمرجل” الوسائل الإعلامية على ناشطين تتفاوت مستوياتهم العلمية والثقافية، عليها أن تبدأ بنفسها وبضيوفها، وصولاً الى تحذير الضيف من التمادي في التجريح و”رمي الحرام” على الآخرين تحت طائلة عدم استضافته مجدداً.
ومع وجود نماذج بالعشرات من سياسيين وإعلاميين يسعُون لتحقيق “رايتنغ” رخيص ولوعلى حساب وطنٍ وشعب، يبقى الرهان على النُخبة من القادة الوطنيين، وعلى مدارس الأدبيات الرفيعة، التي تكمُن قوتها في أنها جاذبة للمواطنين اللبنانيين المُتعبين من السجالات العقيمة والجدل البيزنطي، ونحن الشريحة الشعبية العادية، ندعو الى “رايتنغ” على مستوى الشخصيات/ المدارس في أدبيات الخطاب الإنساني الراقي والوطني الجامع، والنتيجة محسومة سلفاً، للخطاب الذي يُتابعه المُناصر والحليف والخصم على حدٍّ سواء، ويحترمون كل مُفردة من أدبياته، عسانا ننتسب الى مدرسة لبنانية جامعة ونبتعد، سواء في وسائل الإعلام أو على مواقع التواصل، عن كلام أشبه بجعجعة بلا طحين ونُريح هذا الوطن من السحل تحت حجارة الرُحى، والمسألة ترتبط بالإنضباط الذاتي لدى الأشخاص والمؤسسات، طالما أن الضوابط القانونية غائبة عن كبح جماح الفلتان…