عون غاضب والحريري على صمته… فماذا بعد؟
مساعي تشكيل الحكومة في اجازة الميلاد ورأس السنة، وربما تطول الى ما بعدها، في ظل الجمود السياسي المريب في اسبابه والغامض في ابعاده واهدافه، حيث رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مستاء، ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري على صمته، والسترات الصفراء حجزت لنفسها مكانا اسبوعيا في شوارع بيروت والمدن الاخرى كل احد، استنساخا لما يجري في فرنسا، مع فارق ان هناك يطالبون برأس الرئيس ايمانويل ماكرون، بينما في بيروت والنبطية طالبوا بإسقاط النظام دون التعرض المباشر لرئيسه.
رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي خاب خياره على جواد عدرا رأى أمس ان ما حصل على صعيد عرقلة تشكيل الحكومة غير بريء، وابدى قلقه البالغ حيال ما ينتظر البلد في المرحلة المقبلة، معتبرا ان ما حصل يؤكد وجود اطراف لا تريد للحكومة ان تولد بالمطلق، وان الموضوع على ما يبدو اكبر من «ثلث معطل» او حقائب دسمة او خالية الدسم، لافتا الى وجود قطبة مخفية من طريقة توزير جواد عدرا، ومن ثم التمسك به بداعي انه من كتلة رئيس الجمهورية، لكن من الواجب التنبه جيدا ومراقبة ما يجري، رابطا هذه التطورات بما يجري في الاقليم، ملمحا الى ان ثمة شيئا ما يحضر للمنطقة، وان الانسحاب الاميركي من سورية لا يمكن ان يكون من دون ثمن.
ارتياب رئيس المجلس بالتطورات الاقليمية يشاركه فيه كثيرون، وقد توقفت مصادر رسمية امام التداعيات المتلاحقة لقرار الانسحاب العسكري الاميركي من الحلبة السورية بالتزامن مع المناورات الاسرائيلية المقرونة بإغلاق الانفاق المنسوبة الى حزب الله، وبالتالي مسارعة وزير الخارجية الايرانية محمد جواد ظريف الى نفي مواقف وتصريحات علنية للامام الخميني وللرئيس احمدي نجاد بتدمير اسرائيل وازالتها عن الخارطة، في وقت تتبادل فيه وسائل التواصل في لبنان رأيا لاستاذ العلوم السياسية في احدى الجامعات الاميركية د.مظفر قاسم حسين يجيب فيه عن اسئلة تلامذته حول معنى الانسحاب الاميركي من سورية، وفيه يقول «الولايات المتحدة انسحبت من سورية لتفتح ملفا جديدا في الشرق الاوسط وهو لبنان، وتحديدا حزب الله، وحسب معلوماتي ـ يضيف د.حسين ـ ان دونالد ترامب اعطى وعدا لاسرائيل بتفكيك حزب الله حتى لو ادى ذلك الى خراب لبنان، بحيث يكون اللبنانيون امام خيارين: اما لبنان واما حزب الله»، وهذا ما حذر من مغبته البطريرك الماروني بشارة الراعي برسالة الميلاد امس.
في هذا الوقت المأزوم، مازال هناك من يجادل بجنس الحكومة، رغم اتساع مساحة التباين بين حزب الله والتيار الوطني الحر، خصوصا بعد انكشاف الاوراق حول الثلث الوزاري المعطل، واكتشاف سر التنازع على وزارتي البيئة والثقافة بعد طول رفض وممانعة، وهو ان مؤتمر «سيدر» خصص مبلغ 350 مليون دولار لهاتين الوزارتين، ما يفسر حقيقة التناحر عليهما بين التيار الوطني الحر وحركة امل، اضافة الى الموازنة الخاصة لكل منهما.
وكشفت المصادر المتابعة عن مضمون اللقاء القصير بين الرئيس المكلف سعد الحريري والرئيس نبيه بري في عين التينة، فقد سعى الحريري السبت الماضي الى انقاذ الوضع عبر اتفاق جديد حول توزيع الوزارات نزولا عند رغبة الوزير جبران باسيل، الامر الذي اثار استياء الرئيس بري الذي قال له بانفعال: تأخرت، مات الصبي وانت بعدك عم تحكي باستبدال حقائب وتوزيعها من جديد، وابلغه ان «امل» وحزب الله قبلا بستة مقاعد وزارية من باب التسهيل على امل ان تولد الحكومة خلال اسبوعين، وانت تعلم حجمنا النيابي، فإذا عدتم من جديد الى توزيع الحقائب فنطالب بثمانية حقائب وليس بستة.
وترافق مع موقف بري هذا كلام تصعيدي لحزب الله الذي مازال يحيد الرئيس ميشال عون في حديثه عن التباينات مع رئيس التيار الوزير جبران باسيل الذي وصفه موقع «المدن» الالكتروني امس بـ «راسبوتين الجمهورية» نسبة الى الراهب الروسي الذي سيطر بسحره على الامبراطورة الروسية كاترينا، ونقلت قناة «ام.تي.في» عن مصادر حزب الله ان الوزير باسيل هو الذي يتحمل مسؤولية تأخير تشكيل الحكومة، ووصفت العقدة الحالية بالعقدة الباسيلية، لا السنية، وهو من اصطنع عقدة اعادة توزيع الحقائب لتمرير توزير مستشاره فادي جريصاتي والاطاحة بوزير العدل سليم جريصاتي، وقال ان باسيل مُصرّ على نيل 11 وزيرا اي الثلث المعطل.
لكن الحزب نفى كلام المصادر، وعن دوره في تظاهرات السترات الصفراء قال: ثمة تعميم داخلي من ثلاث نقاط: لا للتظاهر، لا لمهاجمة المتظاهرين، ونعم لتأجيل التظاهرة الى ما بعد تشكيل الحكومة.
مصادر التيار الحر ردت بالقول ان قوى 8 آذار لا سواها هي من انقلب على المبادرة الرئاسية، واتهم «جهة ما» بتجييش الناس للتظاهر ضد العهد.
وعلمت «الأنباء» من مصادر التيار الحر انه يتهم حركة امل باطلاق التظاهرات يوم الاحد وبعد غد تعبيرا عن استياء الرئيس نبيه بري من تفشيل رئاسة الجمهورية وباسيل عملية توزير جواد عدرا الذي اقترحه لتمثيل اللقاء السني التشاوري.
ماذا بعد؟
جوابا، تقول المصادر المتابعة ان ثمة ثلاث عقد يتعين معالجتها خلال عطلة الاعياد والا فإننا امام ازمة مفتوحة: عقدة اللقاء التشاوري السني التابع لحزب الله ومرشحه، وعقدة الوزير الماروني الذي يريده باسيل من حصة القوات اللبنانية التي ترفض الامر بشدة، وعقدة وزارة البيئة التي يحاول الوزير باسيل الحصول عليها، وهو ما قوبل برفض حاد وشديد من جانب الرئيس بري.
المصادر خلصت الى الاعتقاد ان الجرة انكسرت بين الرئيس عون والوزير باسيل من جهة، والرئيس بري ومعه حزب الله من جهة اخرى، بدليل ما كتبه القيادي في التيار الحر ناجي حايك على صفحته على فيسبوك، حيث قال: صار إلنا عشر سنين منجيب رئيس مجلس النواب على ذوق الحلفاء وكرمالهم ما عدا الخلاف مع نص دول الارض كرمالهم، فلقونا انو صوتوا للرئيس عون.
ولولا العماد عون لكان عقاب صقر رئيس مجلس النواب