تحديات طلاب الإعلام في لبنان: من التوجيه المدرسي إلى تغييرات سوق العمل

إسراء وهبي

مع دخول الطالب إلى المرحلة الثانوية، يبدأ التفكير الجاد في تحديد التخصص الجامعي المستقبلي. وسط فوضى الأفكار والمعلومات المتضاربة التي يضخّها المجتمع، يجد الطالب نفسه في حيرة. كما أن غياب التوجيه المدرسي الذي يسلّط الضوء على احتياجات سوق العمل يجعل الأمر أكثر تعقيداً، مما يؤدي إلى اختيار الطلاب لتخصصات دون فهم كافٍ للظروف الحقيقية لهذه التخصصات، وما يمكن أن يواجهوه من صعوبات في المستقبل.

سنتناول في هذا المقال بالتحديد القطاع الإعلامي، الذي يُعد من المجالات التي تجذب العديد من الطلاب، إلا أنهم يواجهون تحديات كبيرة عند محاولتهم دخول سوق العمل، أبرزها العامل الجغرافي، المحسوبيات في التوظيف، والتطور المستمر الذي يتطلب من الخريجين التكيف مع التغيرات السريعة في هذا المجال.

الجغرافيا والمحسوبيات من أبرز عوائق فرص العمل

يُعتبر طلاب الإعلام في لبنان من الفئات التي تواجه تحديات كبيرة، خاصة القاطنين في المناطق الجنوبية، البقاعية، والشمالية، حيث إن تمركز سوق العمل الإعلامي في بيروت خلق صعوبة حقيقية للطلاب، الذين يتعيّن عليهم الانتقال إلى العاصمة بحثاً عن فرص عمل، مما يزيد من الأعباء المالية والاجتماعية عليهم. لذلك، لعب العامل الجغرافي دوراً مهماً في صعوبة إيجاد فرص عمل في مجال الإعلام.

كما أن المحسوبيات تُعد معياراً أساسياً في تحديد الموظفين، وقد أدّت إلى تقييد الفرص أمام الكثير من الخريجين، حيث إن التوظيف يعتمد في كثير من الأحيان على العلاقات الشخصية بدلاً من الكفاءة. ووفقاً للإحصائيات، فإن واحداً من كل خمسة خريجين في الإعلام فقط ينجح في الحصول على وظيفة في مجاله.

تطور الإعلام وتغيّر ذوق الجمهور

شهد سوق الإعلام في السنوات الأخيرة تغييرات جذرية أثّرت بشكل كبير على طريقة عمل المؤسسات الإعلامية وتوجّهاتها. من أبرز هذه التغيرات كان ظهور صحافة المواطن وصحافة الإنترنت، التي وفّرت منصة للجمهور العادي ليصبح منتجًا ومستهلكًا للمحتوى في الوقت نفسه.

هذه التحولات أسهمت في تقليل هيمنة الوسائل الإعلامية التقليدية على المحتوى الإعلامي، مما فتح المجال أمام أشكال جديدة من الصحافة التي تعتمد على مشاركة الأفراد، والأخبار العاجلة والمباشرة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.

إضافة إلى ذلك، برزت ظاهرة البلوغرز والمؤثرين (الإنفلونسرز)، الذين أصبحوا قادة للرأي في العديد من المجالات، خاصة على منصات مثل إنستغرام ويوتيوب. هؤلاء الأفراد الذين يمتلكون جماهير كبيرة، لا يعتمدون فقط على تقديم محتوى معين، بل أصبحوا يعبرون عن أسلوب حياة وتجارب شخصية تتصل بشكل مباشر مع متابعيهم. الأمر الذي ساهم في تغيير ذوق الجمهور بشكل جذري، حيث أصبح يتوجه بشكل أكبر نحو المحتوى التفاعلي والواقعي الذي يعكس تجارب حقيقية بعيدًا عن الأسلوب التقليدي الذي كان سائداً في الإعلام التقليدي.

هذا التغيير كان له تأثيرات مباشرة على وضع خريجي الإعلام؛ ففي الوقت الذي كان فيه خريجو الإعلام التقليدي يتوقعون التوجه نحو العمل في المؤسسات الإعلامية الكبرى، أصبحت هذه المؤسسات تفضّل الاعتماد على هؤلاء المؤثرين لتقديم المحتوى، بدلاً من الصحفيين أو المذيعين التقليديين، الأمر الذي أثّر بشكل كبير على فرص العمل المتاحة.

في الختام

يواجه طلاب الإعلام في لبنان تحديات كبيرة بدءًا من غياب التوجيه المدرسي، مروراً بالصعوبات الجغرافية والاجتماعية، وصولاً إلى التغيرات السريعة في سوق الإعلام. هذه التحديات تتطلب إعادة التفكير في كيفية تقديم الدعم والإرشاد للطلاب، وتوفير فرص تدريب وتوجيه ملائمة تساعدهم على التكيف مع واقع سوق العمل الذي يتغير باستمرار.

شارك المقال:

زر الذهاب إلى الأعلى