إرتفاع أسعار اللحوم الحمراء عالميًا، وأثره على الإستهلاك والسّوق المحلّي في لبنان
إسراء الرشعيني
في المرة الأولى، لم يكن جشع التجار في شهر رمضان المبارك سببًا في زيادة أسعار اللحوم الحمراء في لبنان. لكن تداعيات الأزمة الاقتصادية والصحية والأمنيّة الداخليّة، و بجانب ذلك العوامل الخارجية، زيادة الطلب مقابل العرض، أدّت إلى ارتفاع ملحوظ في أسعار اللحوم الحمراء.
تراوحت أسعار لحوم البقر البرازيلي بين 11 و 12دولاراً اميركياً للكيلوغرام الواحد، أما لحوم البقر الأوروبي بين 13 و14 دولارًا للكيلوغرام الواحد، بينما تراوحت أسعار لحوم الغنم بين 15 و18 دولارًا للكيلوغرام الواحد.
هذا الارتفاع أثار استياء المواطنين وتجار المواشي على حد سواء، وأدّى إلى تقليل نسبة الإستيراد والإستهلاك، خصوصًا في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية.إ
إذن.. ما هي أسباب هذا الارتفاع؟ وما تداعياته على المواطن اللبناني وأصحاب الملاحم؟
شهدت دول أوروبا والبرازيل في الفترة الأخيرة ارتفاعًا بوتيرة عالية جداً في أسعار اللحومات الحمراء البقر والغنم حيث ان اسبوعياً ثمة ارتفاعاً في الأسعار بين 30 و 50 يورو بالطن الواحد بعد حالة من الاستقرار. وبحسب أمين نقابة تجّار المواشي في لبنان، ماجد عيد، فإنّ هذا الارتفاع يعود لثلاث عوامل رئيسيين:
زيادة الطلب على اللحومات الأوروبية والبرازيليّة نسبة لضعف الإنتاج المحلي في الدول المستوردة:
فيما يتعلّق بالمغرب، حتى تاريخ 7 أذار 2025 لم تتوفر بيانات محددة حول حجم استراد المغرب للأبقار خلال ذلك العام. ولكن تشير المعطيات المتاحة إلى أن المغرب تستورد من الأبقار الأليفة حتى الفترة بين أكتوبر 2022 إلى أكتوبر 2024 كما يقارب 217,719 رأسا من البقر. كما بلغت واردات الأبقار من بداية كانون الأول إلى أكتوبر 2024 ما يقارب 109,202 رأساً من الأبقار الأليفة. وبجانب ذلك تبلغ واردات المغرب من 10 فبراير 2022 إلى 24 أكتوبر 2024/ 1,136,560رأساً من الغنم، كما بلغت واردات الغنم من بداية كانون الأول حتى نهاية أكتوبر 2024/ 737,065رأساً من الغنم.
والجديد ذكره أن الحكومة المغربية قررت لعام 2025 إعفاء استيراد الأغنام من الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة فقط على استيراد 700,000 رأس من الغنم بهدف تنظيم عملية الإستيراد بما يتماشى مع الحاجة المحلية في المغرب.
ووفقًا للبيانات الرسمية المغربية فإن قيمة واردات المغرب من الحيوانات الحيّة ( بما فيه الأبقار والغنم) زادت بنسبة 83.1% بين عامي 2023و 2024.
شملت هذه الواردات من قبل: أسبانيا، البرازيل، فرنسا والاوروغواي …. ويأتي هذا الإرتفاع في حجم الإستيراد يعود إلى الإجراءات الحكومية المغربية المتمثلة بالإعفاءات الضريبية التي تهدف إلى تعزيز الأمن الغذائي، تخفيض كلفة الإستيراد، تقليل الأسعار المحلية للحوم المغربية، بالإضافة إلى توفير اللحوم بما يتناسب مع الطلب في المغرب، الذي يبلغ عدد سكانه 36 مليون نسمة. وتجدر الإشارة إلى أن تدني الإنتاج المحلي بسبب الجفاف المستمر وتدهور المراعي.
ومن ناحية ثانية، شهدت صادرات اللحوم البرازيلية زيادة ملحوظة نسبة لإرتفاع الطلب العالمي، خاصة من الصين والولايات المتحدة. حيث إستوردت الصين لحوم الأبقار البرازيلية حوالي 1,322 مليون طن بقيمة ٦ مليارات دولار أميركي، كما بلغت واردات الولايات المتحدة من لحوم البقر البرازيلي أكثر من 229 ألف طن بقيمة 1,351 مليار. وبجانب ذلك، إستوردت واردات الإمارات العربية المتحدة من لحوم البقر البرازيلية بمعدل 238% في العام 2024 حيث أنّها إرتفعت مشتريات الإمارات من اللحوم البرازيلية بقيمة 95.1% ألف طن في النصف الأول من العام 2025 مقارنة ب 28.1 ألف طن في الفترة نفسها من العام 2023.
هذا الطلب المتزايد للحوم البرازيلية تعود لنقص الإنتاج المحلي في البلاد المستوردة وتزايد الطلب على أنواع من اللحوم البرازيلية في الأسواق المتخصصة في البلاد المستوردة. إضافة إلى جودة اللحوم البرازيلية حيث تمتلك البرازيل أراضي واسعة وبنية تحتية في قطاع اللحوم كالمسالخ والمرافق اللوجستية الجيدة.
2-إرتفاع العملة الأوروبية:
العامل الثاني الجوهري الذي ادى إلى إرتفاع أسعارالحوم الأوروبية على تجّار المواشي هي عدم إستقرار العملة الأوروبيّة. حيث إرتفع سعر صرف اليورو من 1.03 إلى 1.05 ثم إلى 1.08 وهذا يعني أنّ كل زيادة سنت واحد في سعر اليورو يقابله إرتفاع في سعر الطن الواحد بحوالي ال35 دولارًا. وبالتالي فإنّ الزيادة الإجمالية من 1.03 إلى 1.08 تؤدي إلى إرتفاع سعر الطن الواحد ما يقارب ال170 دولارًا.
3-النقل البحري:
منذ سنة وأكثر يشهد تجّار المواشي في لبنان إرتفاعًا مضاعفًا في تكلفة النقل البحري للبواخر المحمّلة للحيوانات الحيّة (livestock transport) من دول أوروبا والبرازيل إلى لبنان.
وتابع أمين سر نقابة تجّار المواشي في لبنان، ماجد عيد، أنّ كلفة النقل البحري على كل شحنة من المواشي الحيّة، شهدت تزايدًا مضاعفًا في عام 2024في جميع أنحاء العالم وفي لبنان أيضاً مقارنة بما كانت عليه في السنوات الماضية، نتيجة الطلب العالمي للمواشي. إضافة إلى أنّ هذه تكلفة النقل البحري تختلف بين أصناف المواشي.
هذا الإرتفاع يؤثر بشكل مباشر على أسعار اللحوم المواشي الحيّة (أبقار أو غنم) في الأسواق المحليّة اللبنانية.
والجدير ذكره، أنّ هذا الإرتفاع في الأسعار العالمية للدول المصدّرة أو في إرتفاع تكاليف النقل، إضافة إلى تدني القدرة الشرائيّة لدى تجّار المواشي في لبنان أدّت إلى تخفيف حجم الإستيراد، حيث أصبح كل ثلاث تجار يستأجرون باخرة واحدة لنقل بضاعتهم إلى لبنان، بعدما كان كان كل تاجر ينقل شحنة واحدة، وهذا مؤشر جوهري يؤكّد على الأوضاع الإقتصاديّة المتردية الذي يواجهها التجّار في مهنتهم.
تداعيات إرتفاع أسعار اللحومات في لبنان:
بحسب المعلومات المتوفّرة، فإن قيمة واردات لبنان من المواشي الحيّة بلغت ٢٨٢ ألف رأس من الابقار عام ٢٠١٩(أي قبل تراكم الأزمات الصحيّة والإقتصادية والسياسية في لبنان) بينما بلغت إنخفاضًا ملحوظًا بنسبة 64.5% في عام 2023 حيث إستورد لبنان 100 ألف رأس بقر، ثم إرتفعت شيئ لا يذكر ما يقارب ال 150 ألف رأس بقر.
كما بلغت قيمة مشتريات لحوم الغنم ما يقارب 60 ألف راس في عام 2024. والجدير ذكره، كما كشف ماجد عيد أنّ ثلاثة تجّار يشتركون في باخرة واحدة من الأبقار، وكل أسبوع، يستورد لبنان بين باخرتين إلى ثلاث بواخر.
هذه الأرقام تؤكد على تخفيف نسبة إستيراد تجّار لبنان للمواشي الحيّة نسبة لعوامل عدة ذُكرت في بداية المقال من جهة وتراجع نسبة الإستهلاك عند الشعب اللبناني للحوم من جهة ثانية، حيث يتراوح نسبة متوسط الإستهلاك العائلة الواحدة بين 5 و 8 كيلو شهريًا، وفقَا لإستطلاع أراء المواطنين. في حين أنّ عائلات ذات الدخل المحدود لا تستطيع شراء اكثر من 3 كيلو شهريا. وبعد ان كان المواطن اللبناني يشوون اللحوم في كل اسبوع بما يعادل كيلو ونص بات في هذه الايام يشوي بالشهر مرة وربما لا.
وفي حديث خاص مع أحد القصّابين، ذكر أن نسبة الإستهلاك لدية إنخفضت بنسبة 50%، ما يعني أنّه كان يستهلك كل أسبوع 6 عجول، بينما من عام 2024 حتّى اليوم أصبحت نسبة الإستهلاك في ملحمته تعادل 3 عجول. وبجانب ذلك، صّرح قصّاب أخر أن زبائنه أصبحوا يشترون مرّة في الأسبوع، حيث يتّجهون شراء بدائل أرخص مثل اللحم المعلّب.
ختام مع نصائح
نودّ القول مع التأكيد أنّ كل مواطن هو مسؤول عما يحدث في محيطه، خصوصًا عند شراء المنتجات الغذائية، لذلك ننصحه أن يعي أنواع اللحوم المتوفرة في السوق حيث تنقسم لثلاث أنواع: اللحم طازج، الأغلى سعرًا، اللحم مبرّد، أقل من سعرًا من اللحم الطازج بقليل، واللحم المجمّد، الأرخص بين الثلاث.
وعند سماعك من اللحام أنّ “اللحم بلدي” فاعلم انه يقصد ذبح عجل محلّي لعجل برازيلي أو أوروبي، إذ أنّ الإنتاج المحلي للمواشي في لبنان لا يتجاوز 3% وهي نسبة ضئيلة جدًّا مقارنة بحجم الطلب في السوق.
وإن وجدت أن سعر اللحمة أقل من 800 ألف ليرة أو أقل للكيلوغرام، إعلم أنه لحم مخلّط، أي مزيج من اللحم الطازج مع اللحم هندي اي لحم جاموس.
وبجانب ذلك، على وزارة الإقتصاد تكثيف الرقابة لحماية المستهلك، وذل عبر مختصّيين تشمل أطباء بيطريين، وليس مهندسين زراعيين تفاديًا من الوقوع في تضارب الصالحيات وضمان الجودة والسلامة الغذائية