القرى اللبنانية داخل سوريا: تهجير قسري مع غياب الحلول .. هل تتحقق العودة؟

إسراء الرشعيني

منذ سقوط نظام الأسد، كانت الأحداث الأمنية والسياسية بين لبنان وسوريا مترابطة بشكل وثيق. في الآونة الأخيرة، اندلعت اشتباكات عنيفة بين “تحرير الشام” وأبناء العشائر­-الهرمل، مع تدخل الجيش اللبناني بعد هجوم “تحرير الشام” على ثكناته العسكرية في فِيسّان.

بعد حوالي شهر تقريبّا من الهدوء التام على الحدود السورية اللبنانية، لم يعيد فتح هذا الملف ربّما وُضع في أسفل الدرج إلى جانب الملفات العالقة. كما أن رئيس الحكومة، نواف سلام، لم يتطرق في بيانه الوزاري إلى الوضع الأمني والاجتماعي على هذه الحدود التي تمتد على مسافة غير مرسمة وتقدر بـ 330 كم.

 الجدير بالذكر أن هذه الاشتباكات وقعت على مرحلتين: المرحلة الأولى في بلدة حاويك، والمرحلة الثانية في القرى الشيعية المتبقية داخل الأراضي السورية.

الهجرة اللبنانية إلى الأراضي اللبنانية:

تراوح عدد المهجرين اللبنانيين من 35,000 إلى 40,000 شخص، الذين تم تهجيرهم قسريًا من منازلهم وأراضيهم الزراعية واضطروا إلى النزوح إلى مناطق البقاع,وبيروت حيث سكنوا في الحسيّنيّات والجوامع دون أي مساعدة من أحد.

 أبرز هذه القرى، التي يقطنها اللبنانيون منذ عقود، وحتى منذ حقبة سايكس-بيكو،هي :

حاويك، السمّاقيات، بلوزة، أكّوم، زيتا، صفاوي، جرميش، الصفصافة، نبي برّي, الفاضليّة… حيث تمتد على مساحة حوالي 150 كيلومترًا مربعًا داخل الأراضي السورية، وتتصل بمناطق داخل الأراضي اللبنانية.

في حديث خاص مع النائب غازي زعيتر ذكر أنّ والده االنائب محمد دعاس زعيتر، كان نائبًا في البرلمان السوري عام 1956، وصوّت لصالح الوحدة عام 1958. سكن  زعيتر في البلوزة، وهي ضيعة أجداده منذ العهد العثماني ومستنداتها القانونية بحوزة أهله وأجداده قبل الأستعمار الفرنسي حتّى جلاء سوريا ولبنان عام 1946، ويحمل الجنسيتين السورية واللبنانية، وكذلك أبناؤه وأقاربه, ويمتلكون 25% من عقارات أكّوم معيان.

فكيف يمكن لعائلته أن تُهجَّر من قراهم وأرزاقهم؟ أليست نيابته في البرلمان السوري دليلًا على ملكيته لهذه الأراضي؟

هذا السند يعود إلى الشيخ دعاس زعيتر و تاريخ السن منذ 1935

وأضاف زعيتر أنّ ملكّية الأراضي, التي تمتدّ على آلاف الدونمات, ثابتة لدى الأهالي اللبنانيين قانونيَا, وأنّ جميع الضرائب والرسوم والمعاملات الرسميّة كانت تدفع للدولة السوريّة.

وكشف زعيتر أن أكثر من ٥٠٠ شخص يعملون في سلك الدولة اللبنانيّة تم تهجيرهم من بيوتهم مع أهاليهم, إضافة إلى طلاب المدارس والجامعات المهجّرين أيضًا, أجبروا على ترك مقاعدهم الدراسية وما زالوا ينتظرون تسوية أوضاعهم مع الجهات التربوية اللبنانية, محذّرًا من أن تركهم دون حل قد يؤدي إلى كارثة  تهدّد مستقبلهم الأكاديمي.

وفي اتصال هاتفي مع خالد ياسين جعفر، الناطق الإعلامي باسم آل جعفر، أكد أنه لا توجد اي ضمانات حالية لعودة هؤلاء المهجرين إلى منازلهم، حتى وإن توقفت الاشتباكات. وذكر أنه تم اختطاف أكثر من اثنين من آل زعيتر وآخرمن آل الحاج حسن حيث تم تصفية ابن شقيقة الوزيرغازي زعيتر، فيما لا يزال الآخرون محتجزين حتى الآن دون معرفة تفاصيل أخرى عنهم.

وأضاف جعفر أن الجيش اللبناني قد انتشر على طول الحدود اللبنانية-السورية لحين ترسيم الحدود بين البلدين، وعلى الرغم من الهدوء التام على الحدود السورية، إلا أن هذا الانتشار ليس كافيًا لعودة الأشخاص الذين غادروا منازلهم، خاصة أن هذه المنازل قد تم الاستيلاء على كل ما فيها من أثاث ومستلزمات منزلية من قبل عصابات متعددة الجنسيات, إضافة إلى تدمير بعضها.

وختم قائلاً إنه من الضروري أن تبادر الدولة اللبنانية بمعالجة عقلانية للوصول إلى حل هذه المعضلة المغفل عنها لسنوات عديدة، مع التنسيق مع الجانب السوري بهدف ضمان العودة الحقيقية لهؤلاء الأشخاص بأعلى مستويات الأمان والطمأنينة.

شهادات أحد ابناء القرى في  داخل الأراضي السورية:

قال أحد أبناء بلدة أكوم، التي تضم أربع منازل: “نمتلك أنا وأهلي منزلًا، بالإضافة إلى منزل جدي(أب أمه)في بلدة أكوم. هذه البيوت والأراضي ورثناها عن أخوالي من آل جعفر، الذين يحملون الجنسيتين السورية واللبنانية، ويمتلكون أوراقًا ثبوتية وسند طابو سوري ضمن العقار رقم 239. بيت جدي وأخوالي يملكون ٤٠٠ دونم وأنا وأهلي ورثنا منهم ٢٠٠ دونم ولدينا أوراق حجّة فيها. أهلي وبيت جدي وأخوالي يقيمون في هذه المنازل منذ 70 إلى 80 عامًا، أما أنا فقد بنيت منزلي منذ 9 سنوات.

مع اندلاع الاشتباكات، تم تهجيرنا قسرًا، حيث تمركز مسلحو تحرير الشام في منزلنا ومنزل عمي الواقع في السهل. وبعد فترة، وصلنا خبرٌ يفيد بأنه تم بيع مقتنيات المنزل أيضًا. لم نتلقَ أي مساعدة مادية أو معنوية من قبل الدولة اللبنانية، لا خلال الاشتباكات ولا بعدها، وليس لنا إلا الله معينًا.”

دفع ضريبة أرض سنة 1937

قال أحد أبناء بلدة بلوزة: “نحن موجودين بهالأرض قبل سايكس بيكو أي قبل عام 1900 وقبل أن يكون هناك ما يُسمى بسوريا ولبنان ولدينا ما يثبت ذلك، فنحن نمتلك 75% من أراضي بلدة بلوزة، بالإضافة إلى أراضي وادي حنا، التي تحد بلوزة، جميعها ملك اللبنانيين تحديدا عائلات نمر وزعيتر، وكذلك في القرى الشيعية الواقعة داخل الأراضي السورية. ولدينا أيضًا وثيقة قانونية تثبت دفع ضريبة الأرض عام 1937.”

وأضاف: “تعرضنا لاعتداء وسُلبت أرزاقنا من قبل عصابات تفتقد معنى الإنسانية، هدفها التطهير العرقي، حيث يعتبرون أي شخص شيعي بمثابة خنزير. لم يقتصر الأمر على تهجيرنا من منازلنا، بل تم أيضًا سرقتها وإحراقها، كما لم تسلم مساجدنا وحسينياتنا من عمليات التخريب والجرف، وحتى قبور أمواتنا تعرضت لأذيتهم. ورغم كل ذلك، فإن الدولة اللبنانية غير مكترثة ولا تبالي. حيث ان أكثر من 35 ألف لبناني أُجبروا على ترك منازلهم وأرزاقهم، دون أن يلتفت أحد إليهم.”

شهادة  تاريخيّة لمواليد 1946:

أحد أبناء الحريقة – فيسان، من مواليد عام 1946، يؤكد أن هذه الأراضي مملوكة للبنانيين بموجب صكوك بيع منذ عهد الاحتلال العثماني. وقد أشار إلى أسماء الأراضي وذكر العائلات المالكة والقانطة  فيها.

كما أوضح أن هؤلاء المواطنين يشاركون في الانتخابات النيابية والبلدية، وكذلك انتخابات المخترة في الهرمل.

وأشار إلى طبيعة العلاقات التي جمعت لبنان وسوريّا عبر التاريخ, من عهد أديب الشككلي حتّى بشّار الأسد, مشيرًا إلى أنها كانت متداخلة على مختلف الأصعدة : إجتماعية, تبادل الزيارات في المناسبات والأفراح والمأتم, ماليًا, كانت العملة موّحدة بين البلدين لفترة طويلة وتستخدم في المعاملات التجاريّة قبل إستقلالية البلدين, إقتصاديًّا, على صعيد البيع وشراء البضائع بإختلافها بحرّية, حدود مفتوحة بين البلدين, حيث بقيت المناطق الحدودية الشرقيّة للبنان متّصلة بسوريا ويمكن لأي مواطن الدخول الى الأراضي اللبنانيّة دون الحاجة إلى جواز سفر او تصريح.

هل يوجد حلول قريبة؟

بعد البحث والتدقيق تبيّن أنّ لا عودة للاهالي إلى أراضيهم قبل استقرار الاوضاع السياسية في سوريا, ويصبح الحل بين دولتين رسميتين تحفظان حقوق الأهالي المهجّرين وتضمن عودتهم بأمان”. ولكن يبقى هذا المشهد لعبة إسرائيلية تحت وصاية أميركية تنفّذها فصائل تحرير الشام متعددة الجنسيّات لحصار المقاومة وبيئتها التي لا ذنب لها وخصوصًا ان هذا التحول في المشهد السوري حصل فور توقف الحرب في جنوب لبنان. فهل ستعيد الحكومة الحالية, المتصفة بحكومة الانقاذ والاصلاح سكان هذه القرى أم ستتأخذ قرارا ببقائهم خارج أراضيهم وبلداتهم؟  سنتابع هذا الموضوع مع المعنيين في المراحل المقبلة.

شارك المقال:

زر الذهاب إلى الأعلى