بلدة صفد البطيخ الجنوبية .. صمود لا يلين!
صفد البطيخ هي بلدة جنوبية تقع في قضاء بنت جبيل، ضمن محافظة النبطية في جنوب لبنان. تحدّها برعشيت جنوباً، تبنين والسلطانية غرباً، الجميجمة شمالاً، وشقرا ومجدل سلم شرقاً.
وتشكّل بلدة صفد البطيخ مثالاً حيّاً دائماً للعيش المشترك الذي تجسّد في أبهى صورة خلال السنوات الطويلة التي عاش فيها أبناؤها جنباً إلى جنب، مسلمين ومسيحيين، يتشاركون في الحياة اليومية، ويعيشون بروح من المحبّة والإحترام المتبادل، كما أوضح رئيس بلديتها علي زين الدين، مشيراً إلى “أنّ الحسينية والكنيسة في البلدة اللّتين تعرّضتا للتدمير الكلّي جرّاء العدوان هما رمز لهذا التعايش، ممّا يؤكد أنّها ستبقى نموذجا حياً للعلاقات الطيبة والتعاون بين جميع مكوناتها، وستظل هذه الروح المشتركة هي الأساس في عملية إعادة البناء والتعافي.”
لم يوفّر العدو بلدة صفد البطيخ من عدوانه وقد خلّف أضراراً كبيرة، بعد استهداف العديد من المنازل والمرافق وتدميرها، واستهداف الطرقات الحيوية ومرافق البلدية والمحلات التجارية وإتلاف شبكات الكهرباء والمياه.
لم يقتصر العدوان على الحجر فقط، بل نال من البشر بحيث دفعت صفد البطيخ كعادتها ضريبة الدم، واستشهد في الحرب الأخيرة ما يقارب خمسين شهيدًا من أبنائها، رجالاً ونساءً وأطفالاً، كما استشهد أمام البلدة الشيخ طليع زين الدين، “فهؤلاء الشهداء كانوا نموذجاً في الشجاعة والإيثار، وبرحيلهم، تركوا لنا درساً في القوة والعزيمة”، وفق تأكيد رئيس البلدية، لافتاً من جهة ثانية إلى أن المرافق التي استُهدفت باتت في حاجة إلى جهود مضاعفة لإعادة تأهيلها، بعدما كانت تشكل أساس الحياة اليومية في البلدة، مؤكداً “أنّ العمل جار على قدم وساق لإعادة تأهيل ما تم تدميره وإتمام عملية مسح الأضرار من قبل الجهات المختصة”، وتحدث عن تقدّم واضح في إنجاز هذا الملفّ.
يقدّر عدد سكّان صفد البطيخ بنحو 5000 نسمة من السكان الأصليين والمقيمين، ويقيم منهم نحو 500 شخص في العاصمة خلال فصل الشتاء. وبفِعل العدوان نزح الأهالي عن البلدة إلى بيروت والجبل والشمال وصيدا فيما سافر عدد قليل منهم إلى الخارج، إلّا أنهم عادوا جميعاً إلى البلدة في الساعات الأولى على تنفيذ وقف إطلاق النار، “في لحظة أرادوها لحظة أمل وتحدٍّ، إذ أصرّ الجميع على العودة إلى أرضهم بالرغم من الدمار الواسع الذي خلّفه العدوان، ليؤكّدوا بذلك تمّسكهم بأرضهم وقضيتهم العادلة”، كما أوضح زين الدين، مشيراً إلى “أنّ صمودهم في مواجهة هذه الظروف الصعبة يبقى عنواناً للمقاومة والثبات. فرغم الدمار الذي حلّ بالبلدة حافظ أهلها على إرادتهم القويّة وتمسّكهم بالأرض، مؤكّدين أنّ الحرب لا يمكن أن تنال من عزيمتهم أو تزعزع الروابط بين بعضهم البعض أو بأرضهم التي لطالما احتضنتهم”.
ولفت الى أنّه “مع عودة البلدة إلى أحضان أهلها، بعد مرورها بتجربة مريرة جرّاء الحرب الأخيرة، تبرز التحديات الكبيرة التي يواجهها الأهالي في مسعى إعادة الحياة إلى طبيعتها. فقد تكبدت البلدة خسائر جسيمة على جميع الأصعدة، سواء على مستوى الأرواح أو الممتلكات. ورغم هذه الخسائر، فإن صمود الأهالي وثباتهم في مواجهة الظروف القاسية يعكس صورة مشرقة من الأمل والإصرار على البناء ”.
وفي ظل هذه الظروف الصعبة، عملت البلدية بجهد على مساعدة الأهالي، وأوضح رئيسها “أنّ أولى أولوياتنا تمثّلت في إزالة الردم وفتح الطرقات لتسهيل حركة تنقّل المواطنين، والعمل مع الجهات المختصة على إعادة تأهيل شبكات الكهرباء والمياه إلى جانب توفير الدعم اللازم في استعادة الخدمات الأساسية التي تأثّرت بشدّة جراء الهجمات العشوائية. إضافة إلى ذلك، لم نتوان عن السعي لتأمين المساعدات العينية والمالية للأهالي، ونحن ملتزمون ببذل كل جهد ممكن لتخفيف معاناتهم.” وناشد المسؤولين والمعنيين والجهات المختصة بتوفير الدعم المالي الكافي لصرف المستحقّات البلدية “بما يمكنّنا من تقديم الخدمات بالشكل المناسب للفترة الحالية”
في المحصّلة، لقد أظهرت الهجمات العشوائية التي تعرّضت لها البلدة والمناطق المحيطة بها أنّ العدوّ لم يتردّد في استهداف المدنيين، ولم يراع أي قوانين إنسانية وأخلاقية. وأكّد زين الدين “سقوط العشرات من الشهداء ومن بينهم أطفال ونساء في ظل هذه الهجمات التي تميزت بالدموية والتدمير الممنهج”، إلا أنّه جزم بـ”أنّ هذا الاستهداف المتعمّد للأبرياء يكشف بوضوح عن نوايا العدوّ في إضعاف إرادة الناس ودفعهم للتخلّي عن خيار المقاومة، وهو وهم لن يتحقّق ابداً”.
وختم بالقول: “نحن على يقين بأنّ أهالي صفد البطيخ الذين أظهروا خلال السنوات الماضية صموداً لا يلين سيساهمون بشكل فاعل في إعادة إعمار بلدتهم”، معتبراً “أنّ نجاح اتفاق وقف إطلاق النار يعتمد على الإرادة الشعبية الصلبة والقيادة الحكيمة التي تقود المقاومة، وستظل البلدة كما عهدناها رمزاً للصمود والثبات في وجه أي عدوان”.