رحمة بما تبقى من أعصابكم… إحذروا الهزات الإلكترونية

منذ لحظة الإعلان عن حدوث الزلزال المدمّر في كل من تركيا وسوريا، كان لا بدّ من معرفة أن هذا الموضوع سيشكّل مادة دسمة للأخبار المغلوطة في لبنان. فوقع عدد كبير من اللبنانيين “المهزوزين” أصلاً بفعل واقعهم المأزوم، ضحية إشاعات، زادت على أزمتهم أزمة. عن تأثير هذه الأخبار غير الدقيقة بشأن الزلزال وامكانية حدوثه على الناس، نتحدّث.

“فكرة الإحتجاز تحت الأنقاض وأنا على قيد الحياة”…

حزمت “سمر” أمتعتها ووضعت فيها “عدّة الهريبة” على حدّ قولها، تحسّباً لأي هزّة قد تحدث في أي وقت، ووضعتها بجانب باب المنزل.

وروت لـ”لبنان 24″ أنها في كل مرة تسمع بحدوث هزّة ولو لم تشعر بها، تحمل حقيبتها المجّهزة بالمال، بعض الطعام، جواز سفرها وسواها من الأغراض المهمة، وتخرج بها إلى السيارة المركونة في موقف السيارات الواسع، بعيداً عن البنايات المحيطة.

وقالت: “فضلاً عن أنني أعاني من فوبيا الأماكن المغلقة، لم أصحُ بعد من هول فاجعة انفجار مرفأ بيروت”، مشيرة إلى أنه “صحيح أن الزلزال حدث طبيعي إلا أن مشاهد الدمار لا تحتمل، وفكرة أنني قد أحتجز تحت الأنقاض وأنا على قيد الحياة تسبب لي هلعاً لا يوصف”.

وفي حين أكّدت أن عائلتها والمحيطين بها يدعونها دوماً للتحلي بالصبر وعدم تصديق كل ما تسمعه من أخبار بهذا الشأن، إلا أن “ما حدا محل حدا، واللي عم حسّ فيه ما حدا بيفهمه يمكن، بس انا كتير بخاف”، على حدّ قولها.

وتساءلت “سمر”: “لماذا يجب أن ننتظر وقوع الكارثة حتى نستوعب الدمار الذي يمكن أن تخلّفه؟”، داعية من هنا الجميع لتجهيز حقيبة والخروج من المنزل فور انتشار حدوث هزّة، قائلة: “الخبرية إلا ما تكون صحيحة، ما في دخان بلا نار”.

كما أنها روت لموقعنا أنها منذ الهزّة الأولى التي شعر بها اللبنانيون، انعزلت في المنزل وباتت ترفض أي دعوة للخروج مع أصدقائها خوفاً من أي كارثة طبيعية، مشددة على أن هذا الشعور بالعجز مخيف جداً.

أخطاء المستوى المعرفي
وفي هذا السياق، إعتبرت الاختصاصية في علم النفس العيادي والمعالجة النفسية كارول سعادة أن موضوع الكوارث الطبيعية والزلازل في الحالة الراهنة، يخلق قلقاً كبيراً لدى الناس بشكل عام.
وفي حديث لـ”لبنان 24″، أشارت سعادة إلى أن هذا القلق تضاعف بعدما شاهد اللبنانيون، عبر مواقع التواصل الإجتماعي ووسائل الإعلام، صوراً ومشاهد حيّة للدمار الذي أحدثه زلزال تركيا وسوريا فخافوا أكثر لدى حصول الهزات المتتالية التي أعقبت الهزّة الأولى.
وشددت سعادة على أن أخطاءً عدّة حصلت على المستوى المعرفي، إذ أن الإنسان وبطبيعته البشرية، يميل إلى التعاطف مع الآخر في وقت الأزمة لدرجة أنه قد يتخيّل نفسه مكان الشخص المصاب.

من هنا، تحدّثت عن الأخبار المغلوطة الخاصة بموضوع الزلازل والكوارث الطبيعية والشائعات غير المبنية على أسس علمية التي فاقمت الأذى النفسي لدى من هم أصلاً معرّضين للقلق لأسباب متعددة، فباتوا يصدّقون ويخافون من كل المعلومات التي ترد في هذا الخصوص.

وعن أسباب القلق، أعادتها سعادة أوّلاً إلى شخصية الإنسان وتكوينه الجيني الوراثي، فضلاً عن المراحل التي مرّوا بها خلال حياتهم، كما أشارت إلى الناس الذي يخافون ويقلقون أكثر من غيرهم بطبيعتهم، بالإضافة إلى الأشخاص الذي لم يكونوا يعانون من أي قلق إلا أن الأحداث التي ربّما مرّت عليهم في لبنان مثل انفجار مرفأ بيروت، الحرب الأهلية السابقة وغيرها، ما زالت مطبوعة في عقولهم.

كما أشارت إلى الأشخاص الذين يعانون من “فوبيا الزلازل والكوارث الطبيعية”، وهو الخوف الكبير جداً والقويّ بطريقة غير مبررة بفعل غياب الأدلة الواقعية التي من شأنها تأكيد أن ما يخافون منه سيحصل لا محالة، ما يؤدي إلى خلل في طريقة تصرّفهم التي تصبح متطرّفة.

احموا انفسكم وتحصّنوا!
وفي هذا الإطار، أوضحت سعادة أن هؤلاء الأشخاص يتفادون “حصول” ما يخافونه، فنراهم يتابعون أخبار الهزّات والزلازل أكثر من غيرهم، فضلاً عن أنهم من خلال طريقة التفادي هذه قد يصلون إلى الإنعزال وحتى الإكتئاب.

وقالت: “المشكلة الكبرى ليست فقط في وجود الشائعات، بل تكمن في تفسير ونشر تصاريح لأشخاص مسؤولين بطريقة غير صحيحة، ما يخلق جدلاً وحالة من الخوف التي يجب أن تكون موقتة، إلا أنها قد تتفاقم لدى بعض الأشخاص الذي يركزون على المخاوف الكامنة لديه ويعمدون إلى استباق السيناريو الأسوأ”.
وختمت سعادة أنه يجب “حماية أنفسنا من الـSocial media والأخبار وعدم مشاركة تلك الزائفة منها، والالتفات فقط إلى المصادر الموضوعية والعلمية”، مشددة على أن القلق طبيعي في فترات معينة إلا أنه حين يخرج عن حدّه فيصل بالشخص إلى حالات من الفوبيا المرضيّة والصدامات، فهنا لا بدّ من استشارة الإختصاصيين.

كورونا، الكوليرا، أزمات مادية، دوائية واجتماعية لم تبقِ لدى المواطن اللبناني أعصاباً متينة. إلا أنه حين تغضب أمّنا الطبيعة “زيحوا من الدرب… إذا لحقتوا”، واحموا رؤوسكم من دمارها الهائل. ويبقى الأهم، حصّنوا أنفسكم ضدّ “الهزات الإلكترونية”، التي تتخطى تردداتها صفحات مواقع التواصل لتخلق هلعاً متطرفاً لدى كثيرين!

لبنان 24

شارك المقال:

زر الذهاب إلى الأعلى