لقاء حواري ثقافي نسائي نظمته المستشارية الثقافية الإيرانية في لبنان بعنوان: “هوية المرأة المسلمة؛ بين الأصالة والتزييف”

عقدت المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان، لقاءً ثقافيًّا نسائيًّا في بيروت بعنوان “هوية المرأة المسلمة؛ بين الأصالة والتزييف”، لمناقشة وضع المرأة المسلمة في اللحظة الراهنة، وسائر التحديات التي تواجهها في خضمّ سعيها لإثبات هويتها المسلمة الأصيلة.

وقد ضمّ اللقاء عددًا من الشخصيات النسائية اللبنانية، من سائر المجالات، كالحوزات العلمية والدينية، والهيئات النسائية والمؤسسات والجمعيات النسائية، ومجالات أخرى منها علم النفس، والإعلام والصيدلة والطب والأدب والفنون وغيرها. كما حضر المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان السيد كميل باقر وعددٌ من الإعلاميين.

وقد أكدت المستشارية الثقافية الإيرانية بأنها ترتأتي أن تكون هذه اللقاءات سلسلةً من اجتماعاتٍ نسائيةٍ لفتح باب الحوار والنقاش حول كل المستجدات في موضوع المرأة، وذلك من أجل وضع استراتيجياتٍ وحلولٍ عملية لكل الأزمات والتحديات.

قدّمت اللّقاء الباحثة والمترجمة مريم ميرزاده، التي شكرت الحضور على “تلبية الدعوة لهذا اللقاء الذي فرضته التحديات الراهنة علينا كنساءٍ مسلمات، بالرغم من أنه ضرورةٌ لازمةٌ في كلّ عصر، من أجل تشخيص الخلل وتفكيك العلل لبلوغ الوعي المطلوب”.

ثم تحدّثت مديرة معاهد سيدة نساء العالمين الثقافية في بيروت، والباحثة القرآنية في شؤون المرأة والأسرة الحاجّة أمل قطّان، التي تناولت مسألة المرأة والأسرة، بالرجوع إلى خطاب القائد السيد علي الخامنئي حول التحديات التي تواجهها المرأة، من تفكك الأسرة والأخلاق الجنسية، وموضوع السيولة الجنسية، والمتاجرة بالنساء، إضافةً إلى حملات التشويه للإسلام وموقعية المرأة ودورها، وتضييع جنس النساء وسلب القداسة عن الزواج، وسلب القيمة والاعتبار لعمل المرأة المنزلي مقابل تثمين العمل خارج المنزل.

وذكرت قطّان تغييب القدوة الصالحة واستبدالها بنماذج فارغة مبتذلة، كموضوع صناعة النجوم، إضافةً إلى الترويج الناعم لثقافة الاستهلاك والراحة مقابل قيمة العمل والكدّ. وأخيرًا تعزيز الاهتمام بالجمال الظاهري مقابل التركيز على الكمالات الاختيارية التي تمكن المرأة من تبوّء مكانتها الاجتماعية.

ثم كانت الكلمة لعضو المجلس السياسي في حزب الله، الدكتورة ريما فخري، التي تحدثت عن الصراع بين هوية الإسلام وهوية غير الإسلامي، حيث إنه صراع قديم وتاريخي بين إنسان هويته معنوية وآخر هويته مادية. اليوم يجب التفكير في الإنسان المسلم وتحديات العصر وليس فقط المرأة. هذه التحديات بدأت منذ سطوع شمس انتصار الثورة الإسلامية، لأن الثورة انتصرت بقوة الإيمان ونشرت نور الإيمان، فلاحظ الأعداء أن قوة نهج الثورة تكمن في الإيمان، فشخصوا الهدف وعملوا على مواجهة ساحة التدين. والمرأة المسلمة هي الهدف الأوضح والأهم. وأكدت فخري على ضرورة وضع استراتيجيات جديدة توظّف إمكاناتنا التي راكمناها على مدى السنوات.

ثم تكلمت مسؤولة مكتب شؤون المرأة المركزي في حركة أمل، الحاجة سعاد نصرالله، فتناولت مسألة الحجاب في فكر الإمام الخامنئي، فقالت إن العفة والحياء من عناصر الإيمان والأمان في شخصية المرأة، ولأنها الركن الأهم في تربية الإنسان، أرادها الله شريكةً في الجهاد الاجتماعي، فلقد أكرمها بفريضة الستر والحجاب. وتناولت مسألة صعوبة حصول المرأة المحجبة على عمل في بعض المؤسسات والشركات التي توجب شرط نزع الحجاب للحصول على العمل دون النظر إلى الكفاءة. وشدّدت على أهمية عمل المرأة في الإسلام، حيث رأى السيد الإمام موسى الصدر أن الحجاب الشرعي لا يمنع المرأة من ممارسة مختلف النشاطات الاجتماعية.

بعد ذلك، تكلمت الحاجة فاطمة زيعور، مسؤولة الملف الثقافي في الهيئات النسائية ببيروت، فقالت إنّ التحديات التي تواجهها المرأة المسلمة في واقعنا المعاصر هي جزء من التحديات التي تواجهها الأمة الإسلامية. ولأن الغرب لم يستطع عسكريًا السيطرة علينا، فقد لجأ إلى الحرب الثقافية. المرأة المسلمة اليوم رأس حربة في وجه الغرب. والمطلوب اليوم أن نقدم الجهد في مواجهة العدو، ومعرفة الأولويات. من هنا كان أهم تحدٍ هو تبيين الحقائق والمرأة هي الأقدر على تبيين الحقائق في الجانب الاجتماعي. وتحدثت عن أهمية الأفكار المطروحة في كتاب القائد الأخير “جهاد التبيين”، مؤكدةً على أهمية الهجوم وليس فقط المواجهة والدفاع.

ثم تحدّثت التربوية والباحثة في قضايا المرأة الأستاذة زينب فضل الله، التي تناولت إشكالية هوية المرأة المسلمة، التي تضطرب اليوم بسبب العولمة، ونراها ضائعة بين نهج الإسلام الأصيل وبين مغريات الغرب الذي يحمل شعار الحريات والحقوق. لكن هناك فئة واعية استطاعت الموائمة بين الأصالة والحداثة. فبعض المعارك تواجه بالكلمة وليس بالدبابة، لأن الحرب الناعمة تتخذ من العالم السيبراني سبيلًا فتاكًا يحاول مصادرة وعي المرأة وعقلها بكافة الوسائل.

بعد ذلك، كانت الكلمة للدكتورة رزان بركات، عضو اللجنة النسائية في جبهة العمل الإسلامي، التي قالت إنّ الغرب يعمل على تزييف الواقع من خلال النظرة المادية للمرأة. أكبر عاملٍ في هذا الواقع هو صناعة الأفلام التي تبرز النساء مظهرًا جسديًا فاتنًا يسهم إظهارها في موضوع الخيانات التي تروج لها هذه الأعمال. وما يحصل اليوم في الجمهورية الإسلامية الإيرانية من ضغوطات غربية واحتجاجات داخلية صورته حرية المرأة. مع أن إيران اليوم هي قوة عظمى يحسب لها ألف حساب.

كانت الكلمة بعد ذلك للحاجة أميرة برغل، مديرة مركز سكن للإرشاد الأسري، التي رأت بأنّ هذا النوع من اللقاءات ينبغي أن يكون دائمًا حاضرًا ومتجدّدًا. وتحدثت عن أسباب تعرض المرأة لهذه الهجمة وعن الحلول. وقالت إن النموذج المشرق الذي قدمته المرأة الإيرانية جمع بين الالتزام وبين التقدم والنجاح. وهذا النموذج أقلق الغرب، لأنه يحطّم مشروع الغرب بأكمله. حيث هناك مشروعان يتصارعان في العالم، مشروع مجتمع الحياة الطيبة القائم على محورية الأسرة، ومجتمع الحياة المتفلّتة القائم على محورية الفرد. لهذا يجب أن لا ننجر إلى الزواريب بل يجب أن نهاجم رأس الأفعى، وهذا ما يتناوله القائد في جهاد التبيين، فالقائد يقول إنه يجب أن نعمل على صعيد النظرية وعلى صعيد الخطاب.

بعد ذلك، تحدثت التربوية والمترجمة فاطمة فنيش عن النسوية ببعدها الفردانيّ التي ترى في المرأة كائنًا مستقلًا لا يحتاج لأحدٍ كي يعيش، مما يتعارض مع نظرة الإسلام للفرد كمخلوقٍ غير منسلخ عن أقرانه. وتحدثت عن الخطاب التسليعيّ للمرأة، كالحرية والاستقلال والقوة والتحرر، مما تبعه هجومٌ على الحجاب كمظهر من مظاهر السلطة الذكورية. واليوم يجب إعادة التفكير في خطاب متجدد يدور حول العفة والتعفف، وعدم تكرار الخطاب القديم، من أجل مواجهة حرب تسليع الحجاب وعمل الغرب على التشكيك به فرضًا. وطرحت فنيش بعض الحلول منها الخروج من حالة الدفاع إلى حالة الانتماء، تعزيز الدور الأسري للمرأة والرجل منذ الطفولة في المدارس، تنشيط المؤسسات الثقافية والفنية لتعزيز المفاهيم الإسلامية، تعزيز صورة المرأة القدوة وغيرها من توصيات.

الكلمة الأخيرة كانت للدكتورة دلال عباس، أستاذة الأدب المقارن في الجامعة اللبنانية، التي عرضت بعض الوقائع التي تلت الثورة الإسلامية في إيران. ثم تناولت مسألة الحجاب في إيران، فبعد انتشار ثقافة خلع الحجاب التي أتى بها الغرب، بدأت خطوات عملية لتعزيز الظاهرة على يد رضا شاه. ثم اجتمع الناس في مقام الإمام الرضا (ع) وأطلقت الهتافات المندّدة بالقرار، وأطلق النظام الرصاص الحي على الزوار وقتل أكثر من ألفي شخص. منذ ذلك الحين، تحول الأمر إلى صراع بين الفريقين استمر خمسين عامًا انتهى بانتصار الثورة الإسلامية.

واختتم المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان السيد كميل باقر اللقاء، وأعرب عن سروره واعتزازه بهذا اللقاء، وتحدث في خضم حديثه عن أهمية اتباع استراتيجية الهجوم الثقافي وعدم الاكتفاء بدور المنفعل أو المدافع أو السلبي أمام ما يقوم به الغرب. فليس المرأة المحجبة مثلًا من يجب أن تبرر حجابها وتدافع عن قناعاتها، وإنما علينا أن نسأل الغرب لماذا يفعل ما يفعله بالنساء ولم يدعوهنّ إلى التفلّت من الأخلاقيات. وشدّد على أهمية جهاد التبيين تحديدًا في قضية المرأة. وتحدث بعد ذلك عن نموذج المرأة المسلمة الذي طبّقه نظام الجمهورية الإسلامية.

وفي الختام، دار حوارٌ مفتوحٌ بين الحاضرين حول كيفية إيجاد الحلول، بعد تسليط الضوء على الإشكالات والتحديات التي تواجهها المرأة المسلمة. وانتهى اللقاء بمطالباتٍ باستمرار هذا النوع من الفعاليات لما يحمله من فرصٍ لطرح الحلول وتسييلها عمليًا.

شارك المقال:

زر الذهاب إلى الأعلى