يمنى المقداد | عمال لبنان منكوبون في عيدهم

في الأول من أيار من هذا العام يحتفل عمال لبنان بعيدهم بظل أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخ بلدهم.
وبكل ما تعنيه الكلمة يترّنح العامل في لبنان بين سندان العوز ومطرقة ارتفاع سعر الدولار، لا سيّما من يتقاضى راتبه الشهري بالليرة اللبنانية، ليصعب الوضع أكثرعلى من لا راتب شهريا له في الأصل.


حال عمال لبنان اليوم لا يبشّر بالخير، فالحدّ الأدنى للأجور لموظفي القطاع العام والخاص يوازي نحو 25 دولارا (وفق دولار 27 ألف ليرة)، في حين أنّ بدل النقل اليومي يكفي العامل ذهابا من دون إياب ضمن نطاق بيروت وضواحيها، أمّا عن المناطق البعيدة فيصبح البدل اليومي البالغ 65 ألف ليرة بلا قيمة على الإطلاق.

طبعًا يمكن أن نستثني من هذه المعاناة العمّالية من يتقاضى راتبه بالدولار الأميركي فيما تكون المعاناة أقل على من يقبض جزءا من راتبه بالدولار، ولكنه استثناء نسبي فالانهيار الاقتصادي لا يقتصر على قدرة هذا العامل أو ذاك على تأمين حاجة بيته الغذائية فحسب، فهناك تعليم وطبابة واستشفاء ودواء وكهرباء ومياه وسواها الكثير من المتطلبات الحياتية ما يجعل حتى من يقبض بالدولار يئن في بعض الحالات.

الأسمر: ما ينقص العمال هو الاستقرار السياسي

فما هو حال عمّال لبنان اليوم في عيدهم؟ وما الذي ينقصهم؟
رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر وصف  لموقع “العهد” حالة العمال اليوم بالمزرية والتعيسة، فنحن في أقل سلم درجات الرواتب والأجور والتقديمات الاجتماعية والعطاءات والضمانات لعمال القطاعين الخاص والعام، معتبرًا أنّ ما ينقص العمال اليوم هو استقرار سياسي يمهد لاستقرار نقدي – اقتصادي لبدء المعالجات، لافتًا إلى أنّ هذا الأمر غير متوفر حاليًا حيث الصراعات السياسية لا تنتهي وتؤثر على الوضع الاقتصادي والمالي ارتفاعًا بسعر صرف الدولار الأميركي، وبتنا ننتظر المفاوضات التي تجري مع الجهات الدولية، موضحًا أنّ لا حل للارتفاع المستمر بسعر صرف الدولار طالما لم تضرب بيد من حديد الغرف السوداء والمنصات داخل وخارج لبنان والتي تتحكّم بسعر صرف الدولار صعودًا ونزولًا.

بدل النقل أكثر من 100 ألف ليرة

نظرا للارتفاع المستمر لسعر صرف الدولار والتلاشي التدريجي للقدرة الشرائية، هل هناك من إمكانية لدولرة جزء من الرواتب بالدولار أو صرفها وفق سعر دولار مرتفع في القطاعين العام والخاص؟

يجيب الأسمر أنّ دفع جزء من الرواتب بالدولار ممكن في القطاع الخاص، أمّا في القطاع العام فالأمر شبه مستحيل لذلك جرى اتفاق بين الاتحاد وبين رئيس مجلس الوزراء لمنح العمال في القطاع العام والأسلاك العسكرية مبالغ مقطوعة شهرية ستقر في الموازنة، على أن يكون أساس الراتب الشهري بحده الأدنى مليوني ليرة وحدّه الأقصى 6 ملايين ليرة مع رفع بدل النقل الى أكثر من 100 ألف ليرة، فيما يطبّق اليوم اتفاق آخر وهو دفع نصف الراتب بحدّه الأدنى مليون ونصف مليون ليرة وحدّه الأقصى 3 ملايين ليرة.

وذكر أنّ هناك قطاعات بدأت بإعطاء هذا المبلغ المقطوع بالدولار الأميركي أو ما يوازيه أو على سعر منصات معينة مثل “الميدل إيست” وغيرها، لكن في المقابل فإنّ كلّ هذه العطاءات لا تفي بالغرض أمام الزيادة المطردة بسعر صرف الدولار، لافتًا إلى أنّ هناك مؤسسات ومعامل كبيرة أفلست وأخرى متعثرة ولا تقوى على تطبيق ما اتفق عليه.

وفيما خصّ الحدّ الأدنى للأجور فإنّه لن يبقى على حاله بحسب الأسمر الذي شرح أنّه خلال المفاوضات الثلاثية في “لجنة المؤشر” تمّ الاتفاق على زيادة غلاء معيشة قدرها مليون و325 ألف ليرة مضافة إلى الحدّ الأدنى للأجور البالغ 675 ألف ليرة، مؤكدًا أنّ أيّ تصريح للضمان أو لضريبة الدخل لأي مؤسسة خاصة أو أي جهة رسمية لا يمكن أن يتّم إلّا من خلال مليوني ليرة، وأنّه لم يعد هناك رواتب أقل من هذا المبلغ، لافتًا إلى أنّ اجتماعات “لجنة المؤشر” لا تزال مفتوحة من أجل الاتفاق على مبالغ أخرى لتدعيم الواقع السيئ للعمال في القطاع الخاص.

وفي السياق تطرّق الأسمر إلى آخر دراسة أجراها الاتحاد حول الحدّ الأدنى للأجور، وأنّه يجب أن يكون 7 ملايين ليرة، لافتًا إلى استمرار المفاوضات مع الهيئات الاقتصادية برعاية وزارة العمل للوصول الى أرقام مقبولة يمكن تنفيذها فعليًا، وشرح أنّ الواقع الأليم الذي نعيشه اليوم يفترض حدًا أدنى بين 10 و12 مليون ليرة لعائلة مؤلفة من 3 أشخاص بمقومات حياة بحدّها الأدنى، لكنه أشار في المقابل إلى أنّ هناك مؤسسات مفلسة ومتعثرة وإمكانية التطبيق صعبة، داعيًا إلى التجاوب والتضحية من كلّ الفرقاء في هذه المرحلة من أجل تأمين الاستمرارية لهذه المؤسسات وقدرة العمال على التنقل والوصول إليها.
 
عبد الله: نسبة الشغور في القطاع الرسمي 65%

رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين كاسترو عبد الله رأى في حديثه لموقع “العهد” أنّنا نعيش اليوم أزمة كبيرة جدًا كعمال في القطاع الخاص والعام والعاملين بالاقتصاد غير المنظم (المياومين)، بسبب الأزمة الاقتصادية الناتجة عن الأزمة السياسية القائمة بالبلد، وانهيار سعر صرف الليرة، وقد حذرنا  منذ سنوات من سياسات الحكومات المتعاقبة كونها التزمت بإملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين خدمة للكارتيلات والاحتكارات في لبنان.

ولفت عبد الله إلى الوضع السيئ للعاملين في القطاع العام بعد أخذ القرار بوقف التوظيف فيه بحيث تجاوزت نسبة الشغور الرسمي 65% في ملاك الدولة، عطفًا على انهيار الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه والنقل المشترك والاتصالات من خلال توجهات صندوق النقد والمؤتمرات الدولية (باريس 1 و 2 و3 و مؤتمر سيدر) وخطة النهوض الحالية نحو الخصخصة وضرب القطاع العام وهذا ما يلاحظ من خلال تلزيم القطاعات المنتجة منها Libanpost وقطاع الاتصالات والضمان الاجتماعي، مشيرًا إلى انسحاب ذلك على القطاع الخاص بضرب المؤسسات المنتجة وعدم الاهتمام بدعم الزراعة والصناعة، بحيث حوّلت “المافيات” اقتصاد لبنان الى ريعي.

آخر تصحيح أجور أقر عام 2012

حول ضرورة تصحيح الحدّ الأدنى للأجور لفت عبد الله الى أن آخر تصحيح أجور أقر في شباط عام 2012 وكان يفترض أن يحصل إقرار للسلم المتحرك للأجور فيما لا يزال الحد الأدنى 675 ألف ليرة أي ما يوزاي 25 دولارا (وفق دولار الـ 27 ألف ليرة)، بينما كان يوازي سابقًا 450 دولارًا.

وتوقف عند آخر دراسة أجراها الاتحاد عام 2021 وتفيد بأنّه لا بد أن يصبح الحد الأدنى للأجور نحو 12 مليون ليرة لأسرة من 4 الى 5 أشخاص على سعر 17 أو 18 ألف ليرة للدولار الواحد حينها، مضيفا إنّ هذا ما أكدته الدولية للمعلومات منذ أسابيع بأنّ الحد الأدنى لأسرة من أربعة أفراد يجب ألّا يقل عن 15 مليون ليرة (على سعر 20 ألف ليرة للدولار الواحد).

وذكر عبد الله أنّه من ضمن المطالب التي يعمل عليها الاتحاد دولرة جزء من الراتب على رقم معين ثابت من الدولار، لافتًا إلى أنّ هذا المطلب يزداد اليوم في القطاع الخاص و”نحن نعمل عليه”، وعرض لمطالب أخرى منها استعادة الأموال المنهوبة وحماية القطاع العام وإصلاحه، والحفاظ على الصناديق الضامنة وفتح ملفات كارتيلات الاحتكار وتعزيز دور القضاء، وحماية القوة الشرائية وتعزيز التعليم الرسمي ودور الجامعة اللبنانية واقرار ضمان الشيخوخة وتعزيز جذور الصناعة والزراعة وغيرها.

بالنتيجة…

عند الحديث عن حقوق العمال لا تكفينا قائمة طويلة وطويلة جدًا، فهذه الفئة لا تزال تطالب بحقوقها منذ سنوات طوال ولم تفلح بتحصيل معظمها، ليضاف إليها اليوم حقّ بديهي وهو أجرة العمل التي تعين العامل على العيش، تلك الأجرة اليومية أو الراتب الشهري الذي تآكل بفعل جنون الدولار وغلاء الأسعار وفجور التجار، ولسان حال العامل يقول في ظلّ هذا الانهيار: أتمنى أن أجد عملا بالدولار!

شارك المقال:

زر الذهاب إلى الأعلى