المستشاريّة الثقافيّة الإيرانيّة في لبنان بالتعاون تنظم ندوةً افتراضيّةً بعنوان “مفهوم الستر؛ بين الحجاب الظاهري والحياء الفطري”


بمناسبة ذكرى وفاة السيّدة خديجة عليها السلام، وإحياءً لنموذج شخصيّة المرأة المسلمة وحضورها في المجتمع، أقامت المستشاريّة الثقافيّة للجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة في لبنان بالتعاون مع مديريّة شؤون المرأة في رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية، ندوةً افتراضيّةً بمشاركة نخبة من الشخصيّات النسائيّة، بعنوان “مفهوم الستر؛ بين الحجاب الظاهري والحياء الفطري”.
افتتح الكلام مرحّبًا، الملحق الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في بيروت السيد محمدرضا مرتضوي فقال:
إننا نستغلّ هذه الفرصة وهذه المناسبة لنلقيَ الضوء على هذه الشخصية النموذجية للمرأة المسلمة خصوصًا والمرأة عمومًا، حيث تكون مثالًا للإيمان والعفّة والالتزام والحياء.
كلنا نعرف في الثقافة الدينيّة، وقيل الكثير في أنّنا إذا أردنا أن نقوم بفعل الخير، فعلينا أن نفعله في الخفاء ولا داعي لأن يعرف عنه الآخرون وأن نصرّح عنه، مثل الصدقة، صلاة الليل، الزيارة، إلخ.. حتى أنّ هناك روايات عن أهل البيت عليهم السلام، أنّ إعلان عمل الخير يُذهبُ أجره وثوابه. لكن في الوقت نفسه، هناك أعمال من المستحبّ الإعلان عنها والتصريح بها، انطلاقًا من الآية الكريمة في سورة الحج: “ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب”. مما يشير إلى أنّ الذين يعظمون شعائر الله في العلن وأمام الناس هم الأكثر تقوى في باطنهم. مثال ذلك الصلاة على محمد وآل محمد، والأذان واختيار الاسم لأبنائنا، كذلك إحياء مجالس أهل البيت (ع) كلها أمورٌ علينا أن نعظّمها ونؤديها في العلن ونصرّح بها للناس. ذلك لأنّ الإسلام ليس دينًا فرديًا يخص الإنسان وحده حتى يخفيه ويضمره، بل هو دينٌ اجتماعيٌّ على مقياسٍ عالميٍّ بل حتى كونيّ. يريد الله منا أن نُظهرَ بأنّ هذا الدين هو دينٌ حيٌّ فينا. وبناءً على ذلك، فالمسلم يجب أن يظهر إسلامه على هيئته ولباسه وسلوكه وأسلوب حياته. إذن الحجاب كذلك، هو أحد هذه الشعائر.
يعتقد البعض أن الحجاب مسألة حريةٍ فردية مثل أسلوب الحياة والغذاء واللباس، ويعتقدون أنّ الدين هو مسألةٌ تعني الباطن فقط. لكن الأمر ليس كذلك، فالدين ظاهره مهمٌّ مثل باطنه تمامًا وبالباطن يجب أن ينعكس على الظاهر.
وأضاف السيد مرتضوي : موضوع الحجاب موضوعٌ كبيرٌ وواسع، ويطول شرحُ مفاهيمه وحيثيّاته. لقد أراد الغرب والتيارات الماسونيّة المدّعية للتحرر، لا سيما بعد عصر النهضة، أن يسلبونا هذه الصفة، صفة العفاف والحياء عند نسائنا. السبب هو أنهم أدركوا أهمية الحجاب والتعفف في المجتمع الذي تلعب المرأة فيه دورًا بنيويًا أساسيًا، فهي من تصنع الأجيال وتربّي، وعندما يضربون شخصيتها ويتركونها في شتاتٍ وضياع، فإنهم بذلك يضربون المجتمع بأسره في الواقع. لكن الأمل يبقى كبيرًا رغم كل شيء، بوجود شخصيات نسائية تقدم نموذجًا حقيقيًا، ولازالت حاضرةً في هذه الميادين كافةً، والدليل وجود هذه الشخصيات معنا اليوم، على هذه المنابر، إحياءً لذكرى السيدة الأولى والمسلمة الأولى السيدة خديجة عليها السلام.
ثم كانت الكلمة الأولى للباحثة والكاتبة الدكتورة إيمان شمس الدين من الكويت، فاعتبرت اننا نعاني اليوم من مرجعيات المعيارية والمنظومات القيمية، بالتالي نجد اننا في كل زمن بعد العولمة خاصه ، يُقدم لنا نماذج و قيم ومعايير جديدة قد تختلف كليا عن القيم والمعايير السماوية، وتساءلت الدكتورة شمس الدين “ماذا يعني ان يكون هناك ثبات في هذه المرجعية المعيارية ، هذا يخلق لدى الانسان الهدفية وحسّ المسؤولية الفردية والاجتماعية “.
أضافت الدكتورة شمس الدين: إننا أمام هيبة المناسبة التي تتجلى فيها السيدة خديجة (ع) كنموذج بشري قابل للتطبيق ومتصل بالسماء، نقول ان السيدة خديجه (ع) لم تكن مرأة عادية، كانت ذات مال، وتجارة، وعمل، وسلطة، وجاهة اجتماعية، وموقع اجتماعي مهيب، إلى أن ذلك تم تسخيره كله بمجرد أن تجلى النموذج الإلهي أمامها، تم تسخيره في نصرة نموذج السماء، بل تجلى هذا النموذج ليس نصرة مجرد قولية، إنما تجلى هذا النموذج بشكل عملي فيه شخصية خديجة (ع) في سلوكها في حياتها في نموذجها، في هدفيتها في حسّها بالمسؤولية من خلال سلوكها حتى قال رسول الله (ص) لولا مال خديجة لما قامت للإسلام قائمة. تجلى هذا النموذج السماوي في خديجة في أعظم صورة عاصمة للفرد والمجتمع، خاصة في قيمتي العفة والحياء.
وختمت الدكتورة شمس الدين بالقول ونحن في حضرة هذه المرأة السيدة خديجة نرى أننا أمام نموذج نضالي لمواجهة الباطل.
بعد ذلك تحدثت الأستاذة الجامعية والحوزوية والباحثة الدينية الدكتورة زهراء سلامي من إيران، قائلةً:
لقد جسّدت خديجةٌ (ع) – ومن بعدها إبنتها فاطمة (ع) وبعدها ابنتها زينب (ع)- النموذجَ الطیب العفیف للإنسان الأنثى. النموذجَ الساعي للتكامل والارتقاء في سلُّمِ الكمالات الإنسانية من كل جوانبها. كم تحتاجُ المرأةُ في العالم الإسلامي لكي تستقيَ من نبع كمالات خديجة (ع) وتعرف عظيمِ مكاسبِها ومكاسبِ أمتِها إن هي انتهجت في سيرها خطى أم المؤمنين خديجة (ع).
أضافت سلامي: إنّ الستر الذي فرضه الإسلام على المرأة لا يعني أنْ لا تخرج المرأة من بيتها. ولم تُطرح في ثقافة الإسلام مسألة حبس المرأة. حجاب المرأة في الإسلام يعني: أنْ تستر المرأة بدنها حينما تتعامل مع الرجال، وأنْ لا تخرج أمامهم مثيرة. النصوص القرآنيّة تُثبت هذا المعنى ولم تستخدم كلمة الحجاب فيها، كما تُؤيده فتاوى الفقهاء. إنّ الآيات القرآنيّة التي ألقت الضوء هنا ـ سواء في سورة النور أو سورة الأحزاب ـ ذكرت حدود ستر المرأة وطبيعة تعاملها مع الرجال الأجانب، دون أن تستخدم كلمة “الحجاب”. وأما من وجهة نظر الفیلسوف الإسلامي الشهید مطهري، إنّ فلسفة الحجاب الإسلاميّ ترجع إلى عدّة أسباب، بعضها ذو جانب نفسيّ، والآخر ذو جانب أُسريّ، وبعضها ذو بُعدٍ اجتماعيّ وآخر يرتبط برفع مستوى المرأة واحترامها، والحيلولة دون ابتذالها.
ثم تحدّثت من لبنان، الباحثة ومسؤولة الهيئة النسائية في جبهة العمل المقاوم، الدكتورة رزان بركات، فقالت:
الحياء اصطلاحاً هو انقباض النفس عن القبائح هيبة من الله عز وجل وخوفاً من عقابه، ناتج عن تعظيمه ومحبته ومراقبته. الخجل هو انقباض في النفس يخلق عجزاً عن مواجهة الناس بفعل الفضائل أو الرذائل، ناتج عن شعور مرضي بالضعف. والفرق بين الحياء والخجل مسافة واضحة، فالأول هو شجاعة وقوة ورفعة وتجنب إرادي للقبائح وهيبة من الله سبحانه وتعالى، بينما الثاني ضعف وخوف من الخلق، وترك للقبائح جبنًا وانهزامًا. فحقيقة الحياء حالة يمتزج فيها تعظيم الله عز وجل وإجلاله المؤدي إلى الخشية والهيبة، بمحبته سبحانه وتعالى الرافعة إلى مقام المراقبة واليقين من اطلاعه عن باطننا وظاهرنا.
وأَضافت بركات: لا يقوم مجتمع نقي صالح حتى تحتل فيه القيم منزلتها الرفيعة في سلوك الفرد والمجتمع فكانت العفة والحياء من مقومات المجتمع الإسلامي الصالح حيث إنهما حصانة للمجتمع من الفاحشة والرذيلة، وسياج رادع لكل انحلال أخلاقي.
بعد ذلك، كانت الكلمة للباحثة في الفكر الإسلامي والناشطة الاجتماعية في مجال حقوق المرأة والأسرة، الدكتورة خديجة محميد من الكويت، والتي انطلقت في كلمتها من تجربتها الشخصية مع الحجاب وحرية اختيار الستر في مجتمعٍ لم يكن هذا الأسلوب في الرداء متعارفًا بعد. فقالت:
في ذكرى أم الصالحات المحافظات على القيم، نقف عند محطة هامة جدًا، هي الحرب المسعورة على الستر الشرعيّ، الذي تتحلى به المرأة المسلمة. هذه الحرب تسلك مختلف الأساليب والآليات لإثارة الشبهات والشهوات لانتهاك حرمة الستر الشرعي للمرأة المسلمة، وتعمل على انتزاعه. نرى اليوم في مختلف الدول الغربية، التحريض على الملتزمات بالستر من خلال الدخول إلى الجامعة والحصول على الوظائف، بينما هي دول تدعي حرية الرأي والسلوك والموقف. ولكن حينما نصل إلى القيم الإسلامية والثوابت الإسلامية، فإنها تسلك الازدواجية في المعيار وتنتفي الحرية التي يدعونها. الإشكال في هذا الأمر أن هذه الضغوطات إلى جانب الحرب الناعمة تغلغلت في ثقافة المسلمين والمسلمات وتسللت إلى النفوس التي لا تملك أسس الثقافة الإسلامية أو ثقافة الثقلين.
وتحدثت محميد عن تجربتها الشخصية خلال فترة دراستها الجامعية، فقالت: قبل سنواتٍ طويلة، خلال السبعينيات، اتخذت قراري حين كنت طالبة في جامعة الكويت، ووضعت حجابي، حيث كنت في بيئة منفتحة حيث عمل والدي في مجال السلك الدبلوماسي. هذه البيئة كانت تغلب عليها الثقافة التي لا تعتني بالستر الشرعي، بينما الذي رباني وأسسني خارج الكويت كان جدي والد أمي الملتزم بالشريعة الإسلامية عن قناعة وعلم متين وعميق. فكنت أراوح بين الأمرين، حتى اتخذت قراري عن قناعة. لقد كان السترُ عُرفًا في الجاهلية الأولى، ثم أصبح بعد الإسلام سترًا إسلاميًا كما جاء في سورة النور “وليضربن بخمرهن على جيوبهن”.
شخصيًا، قوبلت بمقاطعة اجتماعية على كل المستويات، ولكن في نفس السنة، انتشر الستر الشرعي في الجامعة بشكل كبير. لكن اليوم نواجه ظاهرة خلع الحجاب بفعل تأثير هذه الحرب الناعمة. وأًمست الفتاة المسلمة تتساءل لماذا هذا الستر وهذا اللباس الذي يطلب رخيصًا في معرض الشهوات اليوم.
ثم دعت محميد النساء إلى الأخذ بالعلوم الصحيحة والكاملة وليس انطلاقًا من شهواتهنّ وأهوائهنّ، وإلى العودة إلى القرآن والسنة للحفاظ على مجتمعٍ يبنى على الطهر والإيمان ومسلك الصراط المستقيم.
أدارت الندوة الباحثة والمترجمة مريم ميرزاده، فكان مما قدّمت:
من المفيد حين التطرّق إلى أكثر مواضيعنا الاجتماعية عملانيّةً وأشدّها حاجةً إلى المناقشة والدراسة والبحث، أن نستغلَّ مناسباتِنا التي تشكّلُ أكثر من تجديدٍ للذاكرة، تشكّلُ وقفاتٍ نعيدُ النظرَ فيها إلى سيَرِ أبطالنا، أبطالِ التاريخ، تاريخِ الإنسانيّة والأديان والنوع البشري. نتحيّنُ اليومَ مناسبةَ وفاة سيّدة الإسلام الأولى، خديجة بنت خويلد عليها السلام، زوجة الرسول (ص)، فرصةً جديرةً بالإحياء وبفتحِ نقاشٍ وافٍ مع أصحاب الفكرِ ممّن هم معنيّونَ بشكلٍ أو بآخر بمحورِ هذا اللقاء، الذي يمثّلُ قضيّةً اجتماعيّةً أقرّتها الأديانُ لما تعودُ به من ثمارٍ على الإنسان، وظاهرةً في الطبيعة التكوينيّة للمرأة وفطرتها، وسطَ الانجراف التامّ بما يعرضُه علينا عصر الصورة، والذي سخّرَ شخصيّة الأنثى لصالحِ مخططاته الترويجية والتجارية، فباتت المرأة علامةً تجاريةً إضافيةً في الإعلان والإعلام.

شارك المقال:

زر الذهاب إلى الأعلى