الشيخ موسى أبوزيد | العلمُ وتحدياتُه
الشيخ موسى أبوزيد
ساهمَ العلمُ في تغييرِ إسلوبِ الحياةِ البشريةِ ، و أتاحَ لها إمكانيةَ تطويرِ تقنياتٍ جديدةٍ سواء على مستوى الفردِ أو المجتمعِ ، فقد استطاعتِ البشريةُ على مرِّ العصورِ الإستفادةَ من العلومِ في شتَّى ميادينِ الحياة .
كان اختراعُ العجلةِ نقلةً نوعيةً في تطويرِ وسائلِ النقلِ بعد أن كانت الدوابُ الوسيلةَ الأساسيةَ للتنقل وقطعِ المسافاتِ بشقِّ الأنفسِ . ثمَّ تبعهَا إختراعُ المحركاتِ و الألات ثمَّ حلَّتِ السياراتُ و الطائراتُ كوسائل أساسيةٍ للنقلِ أكثرَ راحة و رفاهية .
كذلك كانَ للعلمِ خطواتٌ باهرةٌ في مجالِ الطبِّ و العلاجِ فساهمَ بإنقاذِ ملايينِ البشرِ من خلال اللقاحاتِ والعلاجاتِ التي قللتْ من مخاطرِ الأمراضِ التي هددتِ الإنسانَ قديماً .
أما في التكنولوجيا فقد أحدثت ثورةً معلوماتيةً هائلةً ، أعطتِ الإنسانَ مورداً هائلاً للمعلوماتِ عبر الأنترنت ، فباتَ بإمكانهِ تحصيلُ ما يشاءُ من المعلوماتِ بيسرٍ و سهولةٍ .
هذه لمحةٌ سريعةٌ عنِ العلمِ و تطورهِ و لو أردنا التوسع في تعدادِ إيجابياتِ العلم و ضروريتهِ لإقتضى منا مجلداتٍ كثيرةٍ . هذا الذي ذكرنا من حسناتِ العلمِ نهضَ بالإنسانِ من قعرِ البدائيةِ إلى قمةِ الحضارةِ و منحَ الأممَ حياةً أكثرَ رفاهية و سهولة.
هذه بعضٌ من ايجابياتِ العلمِ لكن هل للعلمِ سلبياتُه ؟
مما لا شكَّ فيهِ أنهُ كما للعلمِ ايجابياتهُ كذلك لهُ سلبياتهُ ، تظهرُ إيجابياتهُ عندما تتوفرُ القيَّمُ الأخلاقيةُ و المناقبُ الإنسانيةُ و تبرز السلبياتُ عند غيابها.
هذا التحدي أو هذه الإشكاليةُ باتت تحكمُ ساحةَ العلمِ و التكنولوجيا اليوم ، فبعد أن حققتِ الحضارةُ الحديثةُ تقدماً علمياً هائلاً منحت شعوبَها تفوقاً في القوةِ على مَن دونها مِن شعوبِ العالم. فاستخدم البعضُ هذه القوةَ الناتجةَ من العلمِ استخداماً أنانياً مادياً أي لا أخلاقياً ، فكان الإستعمارُ لنهبِ ثرواتِ الشعوبِ وإثارة الصراعاتِ و النزاعاتِ بينها لضمانِ تأمينِ أسواقِ بيعِ ما تنتجُهُ شياطينُ العلمِ من أسلحةٍ تفتكُ بملايينِ البشر.
و لا ننسَى الأبحاثَ التي تجري في مختبراتِ الدولِ الكبرى في علمِ الوراثةِ و الجيناتِ و العلومِ الحيويةِ في الحقلِ البشري خاصة و علم الأحياءِ عامة . هذه الأبحاثُ في حال وقوعِ أخطاء فيها عمداً أو سهواً لن تسببَ الضررَ لمجتمعٍ معينٍ بل ربما للجنسِ البشري.
و ليس بعيداً عما نقولُ علومُ الذرةِ التي تُعتبرُ من أهمِّ إنتاجاتِ البشريةِ العلميةِ لكن الإستخدامَ الشيطاني و اللاأخلاقي أنتجَ قنبلةَ ” هيروشيما” المشؤومة، ثم التجاربُ النووية في الصحاري و المحيطاتِ كلُّ ذلك قد يرمي البشريةَ في آتونِ المآسي.
هذه اللاأخلاقيةُ في استخدامِ العلمِ هي بعضُ أعراضِ الإعراضِ عن الله سبحانهُ و عن تعاليمه التي يترتب على مخالفتِها عذابُ الدنيا و الآخرة . فالإنسانُ مدعوٌّ من اللهِ سبحانهُ إلى عمارةِ الأرضِ بكلِّ خيرٍ و جمالٍ و مندوبٌ للإستزادةِ من العلم الناصع لبناءِ حضارةٍ فيها العدلُ و السلامُ و الوئامُ لبني البشر.
“يرفعُ اللهُ الذين آمنوا و الذين أوتوا العلمَ درجات”
“و قل ربي زدني علما “
كلُّ ذلك ضمنَ القوانين و النواميس التي وضعها اللهُ عزَّ جلَّ ” و السماءَ رفعها و وضعَ الميزان” من مصاديق الميزانِ ما يوزنُ بهَ الأثقالُ ، و من مصاديقِهِ الأوسع و الأشملِ ما يُفرقُ بهِ بينَ الحقَّ و الباطلِ و الجميلِ والقبيحِ و العدلِ و الظلمِ و الفضيلةِ و الرذيلةِ.
” ألَّا تطغَوا في الميزان” ينهى سبحانهُ عن الطغيانِ في الميزانِ و المكيالِ كذلك ينهى عن الطغيانِ في استخدامِ العلمِ بتجبرٍ و وحشيةٍ سواء كان من أشخاص أو كان من دول و حكومات لأنهم حولوا العلمَ من نعمةٍ عظيمةٍ إلى نقمةٍ مخيفة.