محمد حسين شمس الدين | إنحدار فوق الـ ١٨
لقد شهد الإعلام العربي كما الدراما العربية تدهوراً في المستوى الرسالي للفن، ورسالة الإعلام والأعمال الفنية. والفنان كالنبي يحمل رسالة إصلاحية للمجتمع تحث على الفضيلة والقيم الحسنة.
على سبيل المثال كانت الدراما السورية هي دراما العائلة، دراما المحافظة، القيم السامية، والإيحاءات الفكرية والرسائل الإجتماعية. ولكنها كغيرها من البلدان اتجهت نحو ما يُسمى “جرأة” و”تحرّر” و”حداثة” وكلام بالممنوع حسب رأيهم.
وأي حداثةٍ هذه التي اتجهوا نحوها، وأي تحرر! وأي جرأة!
هل الجرأة والتحرر هي تقديم تاجر المخدرات على أنه رجل “شهم” يساعد الفقراء، وعالم الدين على أنه “الإرهابي” والمتزمّت، والزنا من قبل الرجال والنساء على أنه أمر عادي جداً سببه الحب والحب يغفر كل شيء، زنا المتزوجات والمتزوجين…والمرأة التي تهتم بمنزلها وبتربية اولادها وتنشأة الإنسان ليخرج إلى المجتمع، وهي أعظم وظيفة في العالم، هذه الإمرأة يتم تصويرها على أنها المرأة المضطهدة والمقموعة.
أي رسالة هذه!!! رسالة تدمير القيم والأخلاق وتشتيت الذوق الفكري وطمس الهوية الراقية.
تعيش برامج اليوم ومسلسلات اليوم هوس الموضوع الجنسي ،ما السبب؟ لا أحد يعلم. برامج ومسلسلات محورها الإنحلال الجنسي والعلاقات الشاذة التي تنكرها الشرائع، والفطرة ،وعلوم الأخلاق وحماية المجتمعات من الرذيلة.
وآخر برنامج ظهر منذ فترة قصيرة، هو برنامج فوق”١٨”، تقدمه إعلامية جنوبية مسلمة زوجة أديب وشاعر مسلم.
برنامج غير موفق، لا يحمل أي مضمون ،عناوينه “مطّاطة” لا أسس لها، تلك العناوين الواسعة التي تغري المشاهد كإغراء السلطة للمواطن عندما تحدثه عن الديمقراطية.
هذا البرنامج يتكلم عن الفواحش والزنا ويخدش الحياء الإجتماعي بحجة “الحوار” ،الحوار بين ضيوف أكثرهم لا يحملون أي ثقافة أو فكر بل على العكس أكثرهم يتكلم بجهلٍ مركب، ويطلق معتقدات مبنية على الهوى ليس أكثر ،بالإضافة إلى تهم وافتراءات تطال الأديان ،اتهامات لم تتبناها الأديان كمعتقدات ولكن جهل الضيف صنّفها كمعتقد وخلل. وما أصعب الحوار بين طرفين يحملان جهل مركب!
وأنا متأكد لو استضافوا أحد دعاة الإسلام المتمرسين ،وطرح ما عنده لأسلموا جميعاً، فوالله لو علم الإنسان عظمة الإسلام والقرآن وحكمة الله في الأحكام، لخضع كل من في قلبه خيرٌ وألقى السمع وهو شهيد.
لم يحرّم الإسلام الكلام عن الجنس، على العكس تماماً، تكلم عنه ووضع الأحكام الكثيرة في القرآن والسنة والحديث الصحيح. لكن الإسلام بقيمه ومفاهيمه السامية يشكل شخصيةً مبنيّة على القوة والحياء والعفاف والأدب والخجل المحمود. لقد تحدث القرآن الكريم عن كل الغرائز التي وضعها الله فينا كبشر وأخبرنا عن قناة “الحلال” لكل غريزة، كما حذّرنا من الحرام الذي يولد الفساد، فساد القلب والفطرة والإنسان والمجتمع…فقد أعطت الشريعة الإسلامية إهتماماً كبيراً للنسيج الإجتماعي والأخلاق الصحيّة في المجتمع.
ولا شريعة كالإسلام ، {ثُمَّ جَعَلْنَٰكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍۢ مِّنَ ٱلْأَمْرِ فَٱتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}(الجاثية – 18).
{إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)}سورة الإسراء.
ماذا تريدون أيها الإعلاميون؟ ما هي رسالتكم؟
قالت الإعلامية في مقابلة لها منذ يومين مع أحد المشائخ:”أنتم تخافون من الكلام عن الجنس”. وهذا كلامٌ غير صحيح ،بل لا حرج عند المسلمين أن يتكلموا بأي موضوع، ولكن لكل مقامٍ مقال، وفرق كبير بين أن أستضيف علماء ومفكرين وأساتذة جامعيين يناقشون موضوعاً بكل إحترام وعلم ومسؤولية ، وأن أستضيف أناس لا يملكون متانةً فكرية ،بل كل ما لديهم هو أفكار حُملت بإنتقائية عشوائية توافق المزاج والطبع والعقد الدفينة ويتكلمون بكل صلافةٍ عن فواحش فعلوها.
إذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا، هذه القاعدة تفتح باب التوبة وإعادة الإستقامة وتحافظ على صورة الإنسان في المجتمع، وتُبقي المنكر منكراً.
وأخيراً، أذكر ما قال البروفيسور نبيل الدجاني في محاضرة له في الجامعة الأمريكية في بيروت،قال :”أجريت دراسة عن أخبار الجرائم في الصحف اللبنانية ،ولفتني أمرٌ مريب، قبل اندلاع أحداث “بوسطة عين الرمانة” بفترة وجيزة، أصبحت الصحف تذكر جنسية كل مجرم ،فتقول :”قام المدعو وهو من الجنسية الفلسطينية بكذا وكذا…” والعبرة لأولي الألباب من هكذا تحوّل في طريقة أخبار الصحف قبل فترة قصيرة من أحداث بيروت التي حدثت في عين الرمانة.
الإعلام إذا ركّز على موضوعٍ معين ،فهو يهيئ المجتمع لتقبل الموضوع والتعايش معه تحت عناوين مطاطة. والمُحرّك خفي دائماً.
فإن كان الإعلامي او الفنان يعلم فتلك مصيبة، وإن كان لا يعلم فالمصيبة أكبر!!!
{يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ (6)}سورة الإنشقاق.
محمد حسين شمس الدين