دكتور باسم فليفل | الخاسر الأكبر هو الناس .. وخذوا العبرة من التاريخ

دكتور باسم فليفل

تتعدد التعريفات حول علم التأريخ إلا نهم يتفقون على أنها بحث عن الحقائق التاريخية الثابتة ويأكدون على ضرورة تدوينها والبحث عن أسباب حدوثها، وبالتالي علييهم القيام بتفسيرها وربط الأحداث ببعضها بأسلوب خاص، فالمؤرخ يُقدم رؤيته للماضي بمعطيات الحاضر بما فيه من قضايا ومشاكل حتى يصل إلى عملية التقدير للتأريخ وليس فقط تسجيله.
دَوَن المؤرخون حقبات مختلفة تعاقبت على لبنان ، وبالتالي الأحداث التي أثرت على تشكل وتطور لبنان الإجتماعي والثقافي والسياسي وصولاً إلى شكله الحالي، وبالحديث إلى الدكتور“باسم فليفل”كمؤرخ للتاريخ اللبناني خصوصا” في العهد العثماني وعن تأثير تلك الفترة على لبنان بشكل عام، يرى أن في أواخر القرن الثامن عشر وبعد قيام الثورة الفرنسية وبعد انتشار الافكار التحررية في أوروبا وانفتاح البلاد العثمانية على الغرب الاوروبي وخاصة المناطق الساحلية أدى الى اقتباس الكثير من الغرب وعودة نشاط الحركة التعلمية والثقافية وتم استيراد الكثير من المفاهيم الغربية التي يصلح بعضها للتطبيق والآخر احتاج لصقله ليتناسب مع ثقافة ومعتقدات الناس في المشرق ومنها كان مرفوض تماماً، ورغم كل ذلك لجأ البعض إلى تطبيقه لاعتقادهم أنه السبيل لإصلاح الدولة العثمانية والنهوض بها وإصلاح بعض أقاليمها ومنها لبنان،وفي هذه الفترة نشطت الهجرة بشكل كبير من أراضي جبل لبنان بسبب ضيق مساحة الجبل وقلة فرص العمل والسعى من الناس إلى الأفضل فكانت الهجرة نحو مصر وأمريكا الجنوبية والشمالية وأوروبا،أما تجارياًعرفت أراضي لبنان المعاصر إزدهاراً تجارياً كبيراً في عز الدولة العثمانية فكان التصدير للمنتوجات الزراعية وأعمال الحرف اليدوية من المنسوجات الحريرية من دودة القز، ومصنوعات الزجاج، صناعة الصابون وتجارة الزيت، مما أدى الى تحقيق أرباح مالية ضخمة للبنانيين، أما على الصعيد العلمي يرى ” فليفل” بعكس ما يُشاع عن ضعف في الإنجزات العلمية في العصر العثماني بل يتحدث عن أي انجاز يتحقق بعد العصر الذهبي للدولة العباسي يُعتبر إنجازاً خافتاً وبالتأكيد لن تكون مبهرة إلا أنها وُجدت في الدولة العثمانية على سبيل المثال فكرة الصاروخ ولم تُنفذ لأن الدولة لم تعتبرها عملية للدولة بسبب كميات البارود الذي تحتاجه.
ويتحدث “فليفل” عن بروز الطائفية السياسية في أواخر القرن الثامن عشر زمن حكم الأمير بشير الثاني لأول مرة في أراضي لبنان المعاصر ونضجت أكثر بشكل كبير في زمن الحكم المصري لبلاد الشام،حينذاك تبلورت المشكلة الطائفية لأن المسيحين راضين عن الحكم المصري ويدعمونه أما الدروز رافضين لهذا الحكم ويناوؤنه ولأن إبراهيم باشا عمل على تقوية المسيحين على حساب الدروز وسبب ذلك أنه كان يحول أوراق إعتماده إلى أوروبا للوقوف في صفه والمسيحين لديهم علاقات مع الأوروبيين مما أدى إلى شرخ طائفي في جبل لبنان ومن ثم حصل ثلاث إقتتالات طائفية بين الدروز والمسيحين وأكبرها سنة1860 حتى أنها امتدت إلى اللاذقية شمالاً ودمشق وأُرهقت فيها دماء الأبرياء فقامت أوروبا بالتدخل بما يناسبها فولد نظام متصرفية جبل لبنان القائم على الفكر الطائفي وعند سقوط الدولة العثمانية وعند قيام الجمهورية اللبنانية كان النظام الطائفي نظام الحكم في الدولة الوليدة ولم يتم معالجتها لأسباب عدة ولا زلنا نعيش تبعاتها حتى اليوم.

عن تأثيرات تلك الفترة على ما يعيشه لبنان اليوم يتحدث عن بعض التأثيرات الجيدة كإنشاء نظام الأوقاف الذي مازال معمولا به حتى يومنا هذا، والعادات والتقاليد الثقافية التي لا زلنا نطبقها الى اليوم في حياتنا اليومية.
يُؤكد “فليفل” على التشابه وإعادة للتاريخ في لبنان خصوصاً وفي العالم العربي بشكل عام، فالأحداث تُكرر نفسها ويرى أن السبب عدم تعلم الأنظمة الحاكمة من التاريخ ولم تسعى الى عدم تكرار التجارب السيئة التي وقعت في الماضي وفي أواخر أيام الدولة العثمانية، على سبيل المثال الجمهورية اللبنانية منذ ان قامت وطبقتها الحاكمة تعلم باستغلال الغرب التركيبة الطائفية في المنطقة لتحقيق مصالحها وخلق الفتن وكل دولة تسعى لتحقيق مصالحها حتى لو جمعها التاريخ والثقافة والعرق وغيرهم، وبالتالي لا زلنا في لبنان نعيش المشكلات المتجذرة والتي لم تُعالج منذ سقوط الدولة العثمانية وبالتالي نتائجها تتكرر.
فالأمر نفسه يصدق على كل الدول العربية، فالغرب كان يتعامل باحترام متبادل مع الدولة العثمانية عندما كانت الدولة قوية عسكرياً وإقتصادياً وعلمياً وتفرض نفسها كقوى إقليمية وعالمية ، ولا يتجرأون على إهانتها، فالدول العربية المعاصرة أيضاً لم تستفد من التجربة العثمانية ومعظمها أصبح يُعاني من نفس مشاكل الدولة العثمانية في أواخرأيامها.
ومن الناحية السياسية يتحدث “فليفل”أن لتداخل الأراضي للبنان المعاصر مع سائر بلاد الشام تحت جناح الدولة العثمانية كان لها فوائد كثيرة أهمها توحد المسلمون ديناً وثقافةً ولأول مرة بدولة واحدة تحت قيادة موحدة منذ تفتت الدولة العباسية إلى دويلات منذ حوالي ألف سنة مرت على المسلمين وهم يعيشون ضمن دويلات متناحرة، ومع الدولة العثمانية تم إعادة الوضع إلى ماكان عليه قبل العصر العباسي الثاني، فهي تجربة بشرية ذات حسنات وسيئات. وبحسب رأي “فليفل” أن الخطيئة في التاريخ العثماني أنهم لفترة رفضوا الإقتباس من الغرب وما جعلهم يتخلفون أمام أوروبا مما أثر على جميع الولايات بما فيها لبنان المعاصر، ولأن الغرب لم يضمر النوايا الحسنة اتجاه الدول العثمانية عبر التاريخ فحاولوا اختراق الدولة العثمانية والتغلغل فيها من خلال المعاهدات بينهم، والبعض نجح وتم استغلالها في مرحلة ضعف الدولة العثمانية، فالعثمانيون ينظرون بعين الريبة للغرب مما أدى إلى تردي الأوضاع العلمية والثقافية بداية من القرن الثامن العشر.
ويرى ” فليفل” أنه أي قراءة سياسية معاصرة يُفترض ردها إلى أصلها التاريخي، فما نعيشه اليوم له جذور تاريخية فالغاية من دراسة التاريخ ليس فقط الإستمتاع أو قراءة قصة إنما الوقوف على الماضي لتعلم منه أسباب النجاح وأسباب الفشل ونعمل على تكرار أسباب النجاح وبحلة معاصرة وتفادي أسباب الفشل فمن لا يقف على تاريخه ولا يتعلم من الماضي لا يُمكنه بناء مستقبل وبكل بساطة.
ونسأل الدكتور” باسم” عن الطرق المساعدة لإقناع الأجيال الجديدة بضرورة دراسة التاريخ ما لها أهمية على مستقبل الشباب، يوضح بأن المشكلة لدى الكثير من الشباب في العالم العربي وعدم إقبالهم على دراسة التاريخ وذلك بسبب طريقة تدريسه في المدارس والجامعات فالطريقة في عالمنا تعتمد النظام اللاتيني أو الفرنسي وهو تلقيني أي الحشو وهي مبغوضة لدى الناس، فجزء من المسؤلية تقع على عاتق المدرسين أو المسؤولين عن البرامج التعليمية والجزء الآخر على عاتق الطالب، فعلى المدرس محاولة إسقاط الواقع الذي يلتفت إليه الطالب بحكم ما يعيشه ويظهر الربط له في الامور وتسليط الضوء على الجانب المشرق والجميل في التاريخ وحضارة الشعب ليستحضر شعور الفخر والإعتزاز بأجداده مما يولد لديه الرغبة بالدفاع عن هويته وثقافته.
يبقى على الطالب أن يفهم أنه لا يمكنه أن يحل المشكلات إن لم يعتز بثقافته ولغته وهويته ويؤمن بحضارته وخصائصها وحينها من تلقاء نفسه سيصبح لديه ميل واهتمام نحو التعرف على هويته ويصبح درعاً لها لحمايتها، وبالمقابل علينا أن نتعلم من الآخرين وتعليم الآخرين بشرط أن نبقى نحن.
في الختام، يتحدث عن الشبه الذي نمر به اليوم على ما كان في الأمس، عن مراحل تاريخية سابقة كنا نرى بلاد العرب التي تضيع تباعاً ويصيبها الإنحطاط كسقوط الأندلس وضياع البلاد العربية كانت الدولة العثمانية تظهر كقوى ناشئة وتفتح البلاد في أوروبا الشرقية وتنشر الحضارة العربية الإسلامية،و في زماننا هذا هناك تخبط في كل الدول العربية الإسلامية لم نمر به في السابق ويمكن تشبيهه إلى حد ما بفترة ملوك الطوائف بالأندلس حيث تفتت الدولة الأموية في الأندلس إلى عدة دويلات حيث استعانوا بالملوك الأوروبيين لقتال بعضهم البعض فكان المكسب للأوروبيين والخسارة عانى منهاالمسلمون في الأندلس وهذا التشبيه الأقرب إلى واقعنا المعاصر كوننا متفتتين إلى العديد من الدول وكل الدول تقريباً تُعادي بعضها وتتحالف وتشكل تكتلات لمواجهة تكتلات أخرى وتستعين بإسرائيل والولايات المتحدة وروسيا والخاسر الأكبر هو الناس

حاورته مديرة موقع snaatv :سنا فنيش

تحرير ملاك حرقوص 

شارك المقال:

زر الذهاب إلى الأعلى