ملاك حرقوص | الأخبار المفبركة .. كالنار في الهشيم
ملاك حرقوص
أصبحت المعلومة اليوم سهلة الإنتقال والتداول في ظل إنتشار وسائل التواصل الإجتماعي وتنوعها،الجميع أصبح ناشراً ومشاركاً للمعلومة والأغلب دون التحقق من صحتها قبل التداول،فالناس تحب الأخبار المثيرة للجدل فيقوم البعض بفبركة الأخبار الكاذبة سواء السياسية الإجتماعية أو الفنية وغير ذلك لتحقيق أهداف يسعون إليها ويُمكن القول لغايات في نفس يعقوب ولحصد التفاعل والمشاهدات.
يرى الإعلامي والمحلل السياسي الأستاذ”غسان جواد” أمام هذا الكم الهائل من الوسائل الإعلامية والتواصل لا يوجد إمكانية للتحكم في عملية الفرز بين الأخبار المفبركة والشائعات والأخبار الصحيحة، ويؤكد أنه بالإمكان تنظيم الأمر من خلال خلق معيار مهني يساعد على التأكد من المعلومة قبل نشرها وبذلك نكون أمام معادلة اسمها “نريد خبراً صحيحاً وليس خبراً سريعاً”.
ويتحدث”جواد” عن الفوضى المتصلة بالمعلومات واتصالها بالكمية الهائلة من الوسائل وسهولة انتشارها،وذلك لتحقيق أهداف سياسية محددة ومعينة،انطلاقاً من ذلك يدعو “جواد” إلى إيجاد ميثاق شرف إعلامي أخلاقي والتأكيد على المعايير المهنية في نشر الخبر والترويج له لا سيما عبر وسائل الإعلام التقليدية التي تقع أحياناً بأخطاء متعلقة بتبني شائعات موجودة على مواقع وسائل التواصل الإجتماعي،مستغرباً عدم الإلتفات للأمر من قبل المسؤولين في الإعلام التقليدي، فبعض المواقع الإلكترونية تنجر وراء مواقع التواصل الإجتماعي وتصبح صدى لها حتى تفقد دورها كوسائل إعلام تبحث عن الحقيقة وتقدمها للناس، وبانجرارها هذا ستصل الوسائل التقليدية إلى الضعف في أداء دورها المهني ويُكسر الحد الفاصل بين الإعلام والثرثرة والشائعة وهو ما يؤدي إلى الضرر البالغ لمهنة الإعلام.
ما يُطرح اليوم، هل المتلقي لديه القدرة على التحقق من الخبر ومدى صحته قبل النشر؟
في الغالب هذا الجمهور المشارك للأخبار لا يدري بتفاصيل الخبر ويعتبر كل ما يُنشر هو صادق وصحيح، في حديث مع مؤسسة منصة تحقق لمكافحة الأخبار المزيفة والمتخصصة في الإعلام الرقمي وتدقيق المعلومات الأستاذة “إيمان برق” ترى أن الأخبارالكاذبة آفة يُعاني منها العالم كافة وغير محصورة ودائماً في توسع في ظل انتشار وسائل التواصل الإجتماعي التي أتاحت وسهلت انتشار أي خبر وجعله متداولاً على مختلف الوسائل أكثر من الوسائل التقليدية لسرعة النقل والمشاركة ، تؤكد الأستاذة “إيمان برق”من خلال تجربتها في التحقق من الأخبار الكاذبة أنها لمست أن أكثر الوسائل التي تنقل هكذا أخبار هي الوتسآب والتطبيقات التي تُتيح التواصل الفوري وذلك لعدم القدرة على الرصد والوصول الى المصدر الأول للخبر،أما فيسبوك وانستغرام وتويتر وغيرها يكون الوصول للنشر الأول للخبر أسهل وأيسر.
وفي سؤالها عن الأهداف من وراء نشر الأخبار المفبركة تُوضح بأنها متعددة ومنها التسلية من خلال تناقل الخبر عبر تسجيلات يتم تداولها بين الأصدقاء وما تلبث أن تنتشر على نطاق واسع وتُثير البلبلة، بعض الأهداف تكون مدروسة وترتبط بالرسائل السياسية لإقامة حملات ترويجية لأخبار ذات أهداف وترتبط بها جيوش إلكترونية لتوسيع دائرة النشر، أما البعض يهدف إلى خلق رأي عام حول قضية ما أو لتشويه السمعة لشخص أو منظمة أو مؤسسة وغيرها،وترى من خلال تجربتها أن بعض الأخبار الكاذبة تهدف إلى إثارة الرعب بين الناس كالتضخيم لخبر ما، على سبيل المثال ما يختص بحالة الطقس وأضراره، ومؤخراً رصدت كمية هائلة من الأخبار الإقتصادية المفبركة كالتداول والتلاعب في سعر صرف الدولار وأغلبها ينبع عن غايات شخصية وبعضها لضرب الإقتصاد.
بالخلاصة تؤكد الاستاذة”إيمان برق” أن الأخبار المفبركة مهما كانت أهدافها فهي مؤذية ومضرة لكنها أصبحت أمراًواقعاً ويتطلب على الجمهور تعلم الطرق السليمة للتعامل معها والتحقق من صحتها.وبالعودة إلى السؤال الأول عن قدرة المتلقين التحقق من الأخبار تُجيب “إيمان” أن هذه القدرة لايمتلكها أغلب المتابعين ولكن من الممكن أن نجد عند البعض الحس النقدي، وتدعو إلى اعتماد قاعدة”كل خبر على وسائل التواصل الإجتماعي مزيف حتى تثبت صحته” ما يُساعد على التشكيك من صحة الخبر فنسلك الطريق الصحيح للوصول إلى الحقيقة.
هل هناك أدوات متاحة للتحقق من الخبر أو الصورة؟
يُفترض علينا التسلح بأدوات التحقق والتي تنقسم إلى قسمين منها البسيط والمتاح من التحقق من خلال العناصر المحيطة بالصورة أو الخبر وتفعيل الحس النقدي من خلال البحث عن المصدر الأصلي والتأكد من الترجمة وما إذا حصل أي حذف أو تعديل عليه، أما القسم الثاني وجود تطبيقات متعددة يُمكن استخدامها للتحقق من الخبر وعادةً لا يلجأ إليها عامة الجمهور وتقتصر على بعض الإعلاميين والمواطنين المهتمين والمتخصصين بالتحقق من الأخبار وتأكيد مصداقيتها.
وفي الآونة الأخيرة ، مع أزمة وباء كورونا رصدت الأستاذة “إيمان برق” موجة كبيرة وواسعة من الأخبار المغلوطة عن الوباء واللقاحات والتي اعتبرها البعض مؤامرة عالمية لإقامة حرب بين الدول بهدف جني الأموال وظهرت الفبركات في الفيديوهات والأبحاث والدراسات الطبية المتعلقة بوباء كورونا واللقاحات، على سبيل المثال أن لقاح كورونا يُشكل شريحة تحت الجلد للتحكم بالناس، وبعضها يتحدث بأن اللقاح سيؤدي إلى الوفاة بعد سنتين من حقنه،وبحسب ما ترى” إيمان” أن الأخبار الكاذبة تنتشر بنسبة 70% وعند تصحيح الخبر المفبرك أو الكاذب تتدنى نسبة نشره وعادة لا يكترث ناشر الخبر المفبرك بتصحيحه.
تلفت”برق” بتعدد المصطلحات بنفس السياق، فالمعلومات الخاطئة يتم نشرها عن عدم معرفة بعدم صحتها ومن دون قصد وضرر، أما المعلومات المضللة هي التي يتم نشرها عن قصد بهدف الضرر والإساءة، والمعلومات الضارة تكون حقيقية ويتم نشرها لإلحاق الضرر والخسائر وصولاًإلى النتيجة السلبية المؤذية، أما الأكثر رواجاً هي الأخبار الكاذبة”Fake News””أو المزورة وهو المستخدم للتصويب على وسائل الإعلام، ومن أكثر المروجين له كان الرئيس الأميركي السابق”دونالد ترامب”، وتُعرف لدى العامة بالأخبار الكاذبة والمختصون يتمكنون من التمييز بين هذه المصطلحات.
بالمحصلة وأمام هذا الكم الهائل من الأخبار المضللة والكاذبة، يلجأ المتخصصون إلى التحقق من الأخبار المهمة والتي يؤدي تصحيحها إلى الفائدة العامة،وترى” إيمان”أن بعض الصور والفيديوهات تحتاج إلى تقنيات متطورة كالأقمار الصناعية وخرائط غوغل وأدوات خاصة بالتعقب وهي بحاجة إلى التدرب المستمر على هذه التقنيات مما يؤدي إلى صعوبة في الوصول إلى الحقيقة في بعض الحالات.
وكما بات واضحاً،أن الأخبار المفبركة لا تجتاح وسائل التواصل الإجتماعي ولايقع في فخها الأشخاص العاديون فحسب بل أنها تنتشر أيضاً على الوسائل التقليدية كالتلفاز، الراديو والصحيفة والمواقع الإلكترونية وفق أهداف مخطط لها سابقاً، في المقابل يقع بعض الإعلاميين في فخ الأخبار المفبركة دون التحقق منها قبل نشرها. ومع هذه الموجة الكبيرة للأخبار المفبركة تظهر الحاجة أكثر فأكثرلتوعية المتلقي على التحقق من الخبر والتريث من نشره ومشاركته، ويقع على عاتق الإعلامي الدور الأكبر بتغليب الوعي والعمل وفق المعايير الأخلاقية الإعلامية للمهنة لتقديم الأخبار الصحيحة أمام الرأي العام، ولعل تلك القاعدتين المذكورتين سابقاً”نريد خبراً صحيحاً وليس خبراً سريعاً”و”كل خبر على وسائل التواصل الإجتماعي مزيف حتى تثبت صحته” تكون بداية لوعي عند المتلقي من جهة وقاعدة لدى الإعلامي من جهة أخرى للحد من انتشار الأخبار المفبركة التي تنتشر كالنار في الهشيم.
المصدر: snaatv