قصة جميلة جداً على طريق المشاية .. قطيع الكفين يطعم زوار الحسين

البصرة ـ قاسم الحلفي
تصوير ـ عمار الخالدي

وقف وسط شارع بغداد في منطقة الكرمة بالبصرة يؤشر بيديه مقطوعة الكفين الى الزوار يدعوهم الى تناول الطعام والشراب في موكبه الذي اسسه من ماله الخاص، تجده شعلة من نار يتحرك يمينا وشمالا ، فمرة تراه يسقي المشاية اقداح الحليب الحار من اناء يقبض عليه بيديه المقطوعتين، واخرى يشوي الكباب ويطعم الجائعين، وثالثة يسقي الماء للعطاشى، تساعده في موكب عبد الله الرضيع رفيقة دربه التي تعلمت منه الصبر والتضحية بتقديم الخدمة للنساء انه قطيع الكفين عبد الحسن علوان كريمش الذي عاهد أبي عبد الله الحسين عليه السلام ان يبقى خادما لزواره.

مقارعة النظام المقبور
قرر “ابو سجاد” 48 عاما مقارعة النظام المباد فامتنع عن الالتحاق بالحرب العبثية في ثمانينات القرن الماضي وكان يحيي الشعائر الحسينية ويزور الامام الحسين رغم مطاردة الاجهزة الامنية له والقاء القبض عليه وقطع احدى اذنيه، وفي عام 1999 كان يصنع قنبلة محلية فانفجرت عليه واصيب بعد جروح ومنها بتر الكفين، واستمر على الذهاب للزيارة بالسيارات والمشاركة بالعزاء الحسيني بالخفاء كونه ورث احياء الشعائر الحسينية من اهله حيث كانوا يقيمون العزاء ومجالس الخطابة ومجالس اللطم وبذل الطعام، وبعد عام 2003 وخروج اهالي البصرة بمسيرة مشاية مليونية الى كربلاء المقدسة اسس “ابو سجاد” موكب عبد الله الرضيع وهو اول المواكب في منطقة الهارثة بعد ان شاهد قبل عام حاجة الزوار لمواكب الخدمة، حيث قدم الخدمة لآلآف الزائرين، كان يظن في بداية الامر ان بتر كفيه ستعيقه عن تقديم الخدمة، لكن ما شعر يه من فخر وهو يطعم او يسقي الزائرين في سعادة ورضا لا توصفان عنده ويشدد ان اكثر ما يهز كيانه ويبكيه هي جملة يطلقها بعض الزائرين حين يقدم لهم الخدمة فيردون عليه “سلام الله عليك يا ابا الفضل العباس” لانه يعرف مأساة من تقطع كفيه.
ويشير الى ان الموكب بدأ بشكل بسيط يقدم الشاي والماء والكعك والشوربة كون الموكب تمويله محدود معتمد فيه على راتبه التقاعدي وراتب خاله الذي يعمل حارس ليلي وابناءه الذين يعملون عمال بناء ويسلمون ما يحصلون عليه يوميا الى والدهم لانفاقه في الموكب ويقسم بأن البركات تنامت بشكل لا يوصف حيث هرع اهالي المنطقة للانظمام الى الموكب واصبح اربع مواكب تبدأ بتقديم الخدمات من الاول من محرم الحرام كل عام وتطعم الزائرين القاصدين زيارة الحسين عليه السلام الذاهبين بالسيارات وباقي السابلة حتى من غير الزوار ونقدم فيها حليب جاموس مع الخبز افطار صباحي وكباب مشوي، ثم نقدم الرز والمرق والسمك في الغداء ومختلف الاكلات ليلا للعشاء ووجبات سريعة عصرا وبعد العشاء وجبة خفيفة، لان ما يقدم هو ثوابا للحسين عليه السلام، وتستمر الخدمة الى يوم السابع من صفر مع خروج آخر مشاي من البصرة حيث نلتحق بمسيرة الزائرين سيرا على الاقدام، .

الزوجة الصالحة
على مقربة منه وقفت زوجته ” ام سجاد” تدعو المشاية للطعام وتعمل كنحلة في كل اتجاه استوقفناها لنعرف كيف اثر بها زوجها ، فتجيب ” منذ العام 2004 نترك دارنا ونباشر الخدمة الحسينية ومنذ ساعات الفجر الاولى اعد الحليب والخبز الحار للمشاية وأنشر اقداح الماء على طاولة خصصت لشرب الماء واطبخ في الظهيرة انواع مختلفة من الطعام كما اشوي السمك ومع كل وجبة يكون الخبز جاهز، واساعد زوجي الذي رغم عوقه وقطع كفيه الا انه يضرب مثلا رائعا في التفاني بحب الحسين عليه السلام، ونتيجة الخدمة الحسينية نزلت علينا مختلف البركات من توسعة الرزق وتعدد المواكب، حتى اصبح عندنا حسينية حولناها الى موكب خاص للنساء وخصصنا بيتي ابنائي بعد افراغها للنساء وجزء من بيتنا ايضا يخصص للنساء ومبيتهن، وتقدم للنساء كل الخدمات الاعتيادية والخاصة بهن تساعدني بها بناتي وزوجات اولادي تتمثل في تهيأت الحمامات وغسل الملابس والمساج للمتعبات وتبديل حفاضات الاطفال وغسل اجسادهم وتوفير الحليب لهم والسهر على راحة الزائرات، مؤكدة ان الكثير من النساء والعائلات اصبحن زبونات في بيوتنا وتكونت علاقات معهن لما شاهدنه من خدمات كثيرة وراحة كبيرة تقدم لكل إمرأة تأتي الى المواكب النسائية، مشيرة انها تفخر بأنها خادمة صغيرة للمشاية وهي كرامة لا ينالها الا الذي تعلق قلبه بالإمام الحسين عليه السلام.

شارك المقال:

زر الذهاب إلى الأعلى