صرخة صيّاد: السمك أصبح أغلى من الذهب والمازوت مقطوع.. إنه الموت عطشاً في البحر!

صرخة صيّاد: السمك أصبح أغلى من الذهب والمازوت مقطوع.. إنه الموت عطشاً في البحر!

تحت عنوان السمك أصبح أغلى من الذهب والمازوت مقطوع.. إنه موت الصيادين عطشاً في البحر، كتبت نوال نصر في نداء الوطن:

“فظيعٌ هو الموت عطشاً في البحر”. وكأن فريدريش نيتشه يتحدث عن صيادي السمك في لبنان الذين يحدقون في البحر ويعجزون عن العبور فيه، ليس لشيء إلا لأن المازوت بالقطارة والبنزين للمحظوظين، ومراكبهم فارغة، خالية، خاوية، من المادتين. فهل ينتظرون الى حين تهدأ الأزمة، هدوء البحر، أو يبحرون في البحر العاصف ويتمردون على الواقع المرّ ويلعنون، كما وعدوا، “السلطة” ومن فيها، معلنين قبل غيرهم أن الوقت وأمواج البحر لا تنتظر أحداً؟

طرحنا السؤال التالي على صيادي ميناء بيروت: كيف حالكم؟ كم تتكبدون كلفة الحصول على مادتي البنزين والمازوت المفقودتين أصلاً؟ فنزلت الإجابات “متلاطمة” كما موج البحر: “ننزل مرة في الأسبوع الى البحر. ما معنا بنزين وإذا حصلنا عليه فبسعر السوق السوداء. سعر العدة أغلى من سعر الكلوة. الطعم غالٍ والسنارة أغلى. القريدس أغلى من الذهب والبنزين أغلى من القريدس. ندفع كل ما معنا لنسرح في البحر ونعود بلا ولا شي… فهل نكتفي بهذه الردود أم نسأل معهم: الى أين؟ وماذا بعد؟ هل سيُصبح سعر السمك بالفعل أغلى من سعر الذهب؟

تعتير وسمسرة

أول صرخة وصلتنا كانت من ميشال مكرزل، الصياد الأبي، الذي اعتاد منذ ستين عاماً النزول الى البحر والتأمل في جماله حتى ولو كان مسكوناً بكثير من الغموض. فالبحر يُشبه الحياة بكل ما فيها من تقلّبات وعواصف، لكن الصياد ميشال لم يخل أنه سيأتي يومٌ تنقلب فيه الحياة بالشكل الذي آلت إليه، ليس عليه وحده بل على كل الصيادين والناس، ليس بسبب غدر البحر بل بسبب لامبالاة من يمسكون بزمام أهل الأرض، أهل لبنان.

فلنعد الى البحر والى الصيادين الذين يرتادون البحر يومياً. يرسو مركب ميشال مكرزل، إبن نهر الموت – الزلقا- جل الديب، في ميناء بيروت وهو عضو في نقابة الصيادين في بيروت واسم مركبه على إسم زوجته “ماغي” ورقمه 1901. هو يتحدث عن “عمره” حين يتحدث عن البحر وأسراره و”اللانش” الذي يملكه والصيد وأنواع السمك. هناك مسرحه وعشقه. فماذا عن “صرخته” اليوم؟ يجيب “الوضع “تعتير”، كما مختلف القطاعات في البلد، مع فارق ان لا أحد يتطرق الى حالِنا أبداً. ومنذ اسابيع لم أخرج الى البحر سوى بضع مرات. النقيب (جان شواح) أتى بكمية من المازوت وزعها علينا على مراحل ثلاث، تنكة في اليوم لمدة ثلاثة أيام، وتوقف. إلتقينا منذ أسبوع قال انه بالكاد يأتي بالمادة لزوم الماكينة التي قُدمت لنا من الخارج في سبيل إنتاج الثلج. قال لي أنه سيتكلم مع البلدية ويعود إلينا”.

بلبلة كبيرة في ميناء الصيادين في الدورة. كثيرون هناك يتذمرون من كل شيء، من سيول الأزمات الهابطة عليهم من كل حدب وصوب، لكن، ما يلمحون إليه اليوم يأتيهم أيضاً من الداخل. فنقيب صيادي ساحل المتن جان شواح يطلب منهم ان يتعهدوا بوضع غلالهم من السمك في التعاونية إذا أخذوا منه مادة المازوت أما إذا باعوه في سوق السمك فليس لهم المادة. لماذا يفعل ذلك؟ وماذا يستفيد؟ يعلق أحد الصيادين: “هو يأخذ كوميسيون (سمسرة) على المبيع بنسبة 8 في المئة. يعني إذا بعنا بمبلغ مليون ليرة يأخذ 80 ألفا. وإذا قسمنا المبلغ الإضافي على سعر تنكة المازوت في السوق السوداء وكلفة الطعم وبقية التكاليف نكون وكأننا نبيع “ببلاش”.

ماذا يقول النقيب جان شواح في هذا الخصوص؟ يجيب: “يُشكّل موضوع المحروقات عبئاً كبيراً على الصيادين. وهذا ما جعل قطاع الصيد البحري يعمل بالكاد بنسبة 25 في المئة من قدرته. فهناك 500 زورق بحري في الدورة يشتغل منها فقط 20 او 25 زورقاً”.

ماذا عن إلزام النقيب هؤلاء ببيع محصولهم في التعاونية دون غيرها؟ يجيب بالمنطق على ما يقول “واجبي إعطاء المازوت الذي يتوافر لي الى الصيادين المنتسبين الى التعاونية، الذين يعرضون محصولهم فيها، لا أن أعطيه الى من يبيعون خارجها، وبالتالي يفترض بمن يربض زورقه في ميناء الدورة إنزال محصوله فيه. هذا واجبي. وأنا لا أفرض على الصيادين بيعه من خلال تعاونية الدورة إلا إذا أخذوا محروقات من حصة هذا الميناء”…

شارك المقال:

زر الذهاب إلى الأعلى