المطران عوده لعون في عيد الاستقلال “أنقذْ ما تبقّى من عهدك”

تناول متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عوده ذكرى الاستقلال، وقال في عظة قداس الأحد: “يَأتي الاستِـقلالُ هَـذا العام، والـقُـيودُ تُـكَـبِّـلُ المُواطِنينَ مِن كُـلِّ صَوب. يُعَــيِّــدُ وَطَـنُـنا وَسطَ حُزنٍ عَـميقٍ، وحِدادٍ عامّ على الأرواحِ المَسلوبَةِ وأَتعابِ العُـمرِ المَنهوبَة، بالإضافة إلى جائحةٍ تـفـتـكُ بالبشر، وانهيارٍ عامٍ مالي وسياسي واقتصادي واجتماعي وأخلاقي يفــتـكُ بالبلد”، متسائلاً: “أَيُّ استِــقلالٍ في بَـلَدٍ غالِبِيَّةُ أَبنائِهِ باعـوا أَنـفُسَهُم لِزُعَـماءَ جَـوَّعوهم وشَـرَّدوهُم وأَفــقَــروهُم وأَذَلُّـوهُم، ومعظمُ زعمائِه لا يأبهون إلاّ لمصالحِهم ولو كانت على حسابِ ولائِهم للوطن. أَيُّ استِـقلالٍ هَـذا، والمواطنُ أَسيرُ حُـزنٍ لا يَبرُدُ طالَما الحَـقـائِـقُ لَم تُكـشَـفْ والمَسؤولُ لَم يُحاسَبْ؟”، مشيراً إلى أنّ كِبار رِجالاتِنا ناضلوا “لِنَنالَ استِقلالًا لَم يَهنَأْ بِهِ الوَطَن، لأَنَّ كَـثيرينَ لم يدركوا معنى الحرية، أو لَم تَــكُـنِ الحُرِّيَّـةُ تَـليقُ بِهِم ولا الاستقلال”.
وأضاف: “الحُرِّيَّـةُ عَطِيَّةٌ إِلَهِيَّة، لا يَستَطيعُ أَحَـدٌ انتِـزاعَها مِنَ الإِنسانِ بِلا رِضاه. أما الاستقلالُ فهو التحرّرُ من أيةِ سلطةٍ أو نيرٍ خارجي. هو غـيابُ التبعيةِ والتحرّرُ من كـلِّ أشكالِ التوجـيهِ أو الضغـطِ أو الإكـراهِ أو التحكم. الدولةُ المستـقـلةُ هي التي تتمتعُ بالسيادة، وتمارسُ حـقَّـها في إدارةِ شؤونِها وِفْـقَ إرادتِها الحرّة، دونَ ارتباطٍ أو تبعيةٍ أو خضوعٍ لأيةِ دولةٍ أخرى، أي هي قادرةٌ على ممارسةِ قرارِها السياسي بمعزلٍ عن المؤثراتِ المحيطةِ بها”، متسائلاً: “هل هـذه هي حالُـنا اليوم؟ لبنانُ اليومَ بلـدٌ منهارٌ، مُـفـلِسٌ، تتآكـلُه الفوضى والفسادُ والفضائحُ وغـيابُ القرار، السياسيون فيه يتباكون عليه قَـبْـلَ الشعب”.

وتابع عوده: “لتكن ذكرى الاستقلال مناسبةً للتأمّلِ في كـيـفـيةِ فــكِّ الأَغلالِ والاتِّجاهِ نَحوَ النُّور، بِاتِّجاهِ شَمسِ الحُـرِّيَّـة، للإنطلاقِ الفعلي نحو التحرّرِ من كــلِّ أنواعِ الاستعبادِ”، متوجّهاً إلى رئيس الجمهورية بـ”كلماتٍ صادقة، كلماتِ مواطنٍ ومسؤولٍ يتألـمُ مع شعبِه، ويعاني معه، ويحلُـمُ مثـلَـه بوطنٍ سيدٍ حرٍ مستـقـلٍ مزدهـرٍ ومُـشِع”.
وتوجه إلى رئيس الجمهورية بالقول:”يا فخامةَ الرئيس، أنت أبٌ للبنانيين وشعـبُـك يناديك وله حـقٌ عليك، منذ سنوات لبنانُ يعاني، وقد تدهورتْ أوضاعُه إلى مكانٍ يصعـبُ الرجوعُ منه، أنـقـذْ ما تبقّى من عهـدِك وقُــمْ بخطوةٍ شُجاعةٍ يذكـرُها لك التاريخ”، مضيفاً: “اللبنانيون يعرفونك ويعرفون أنّ طموحَـك كان كبيراً، وقد وضعـوا آمالَهم فيكَ فلا تخـيّـبِ الآمال. لبنانُ أمانةٌ في عنـقِـك وقد أقسمتَ على المحافظةِ عليه، لذا أناشدُك باسمِ هذا الشعبِ الطيبِ المرهَـق أن أَنـقِـذْ لبنان. هو بحاجةٍ إلى حكمتِك وصلابـتِــك إلى وقـفـةٍ شجاعةٍ تتخلّى بها عن كـلِّ ما ومَـنْ يعيقُ انتشالَ لبنانَ من حضيضِه. إنّ قلبكَ ينزفُ كما قلبُ بيروتَ وساكنيها وجميعِ اللبنانيين، لكـنهم عاجزون ووحدَك قادرٌ على اتخاذِ القرارِ الجريء”.

وتابع: “ربُّـنـا يسوعُ المسيح الذي نتهيأُ لعيدِ ميلادِه أخلى ذاتَهُ آخذاً صورةَ عـبـدٍ وتجسَّدَ وبـذَلَ نـفـسَهُ من أجـلِ خلاصِ خليقـتِـهِ. فما بالُ المسؤولِ لا يتشبَّهُ بخالِقِهِ؟”، معتبراً أنّه “المطلوبُ التعالي عن كلِّ شيءٍ والعملُ فقط من أجـلِ مصلحةِ لبنانَ واللبنانيين، لا تـقـبلْ أن يكونَ لبنانُ رهينةً في أيدي أطرافٍ داخليةٍ أو خارجية.حريّـتُـه وسيادتُه واستقلالُه أمانةٌ بين يديك، وأنت تخـرَّجْـتَ من مدرسةِ الدفاع عنها ووصلتَ إلى أعلى المراتب ولا يمكنُ للبنانَ أن يكونَ إلاّ حرّاً وهو اليومَ مـقـيَّــدٌ مكـبَّــل ولبنانُ يخـتـنقُ إن لم ينـفـتحْ على العالم وهو اليومَ معزولٌ منبوذ. لا يمكنُ للبنانَ إلاّ أن يكونَ مُبدِعاً مُـشِعاً على العالم وهو اليومَ بلدُ الفـقـرِ والجوعِ والبطالةِ والتشرّد”.
وتساءل عوده: “أين لبنانُ التنوّعِ والتسامحِ والحريةِ والديموقراطية، لبنانُ النشاطِ والحيويةِ والإزدهارِ والفـرح؟ إنه اليومَ مفكـكٌ حزيـنٌ مظلمٌ يائس. أين الكـفـاءات؟ أين الشباب؟ أين الإزدهارُ والعمران؟ أين الرؤى والإبداع؟ أين لبنان ميشال شيحا وفؤاد شهاب وفؤاد بطرس وغسان تويني؟ أين الرجالاتُ الكبار من كـلِّ الطوائف؟ لبنانُ الذي تغـنّى به الشعـراءُ وأحبّه العالم، لبنانُ ملتـقى الحضارات وحاضنُ الأديان، مقـصدُ السيّاح وملجأُ الأحرار، لبنانُ العدالةِ والإنـفـتاحِ والديمقراطية، هل يتـقـوقعُ ويَضْمُـرُ ويضمحل؟”.
وأضاف، مُكملاً التوجّه إلى عون: “لقد أحبَّـكم شعـبُ لبنان فلا تخـذلوه بسبب ارتباطاتٍ سياسيةٍ أو عائليةٍ أو طائـفـية. لا تَـدَعْ يا فخامةَ الرئيس العزيز أيَّ ارتباطٍ يـقـيِّـدُ قـرارَكَ وعملَـكَ من أجـلِ الإنقاذ. لا تَـدَعْ أيَّ شيءٍ أو إنسانٍ يقـفُ بينَـك وبين شعــبِـك ولا تُصغِ إلاّ لضميــرِك ولحسِّك الوطني، وأنا أعرفُ مدى محبتِك للبنان، طـبّـقْ الدستورَ وافـرضْ القوانين، أعـدْ هيبةَ الدولة باعتمادِ المساءلةِ والمحاسبة. إعملْ على تـفـعيلِ الأجهـزةِ الرقابية وارفعْ يدَ السياسيين عنها وعـن القضاء، حافـظْ على أرزاقِ الناسِ وأموالِهم، أَصْدِقِ اللبنانيين القول، إفضحْ الفاسدين وسَمِّ المعرقلين. تعطيلُ الحكمِ جريمةٌ، وصراعُ المصالحِ، وحروبُ الإلغاءِ المتبادَلَة، وتصفـيةُ الحساباتِ العبثية، وتنـفـيذُ أجـنداتٍ خارجية لا تـقـودُ إلاّ إلى الهلاك. إعـمَـل على ردعِها. ما نفعُ السلطةِ أمام خسارةِ النفسِ والكرامةِ والوطن. قُــمْ يا فخامةَ الرئيس بخطوةٍ إنـقـاذيةٍ من أجل شعـبِك ومن أجل أحفادِك. سَـرّعْ تشكيلَ حكومةٍ من نساءٍ ورجالٍ أحرار، تتولى مهمة َالإنـقـاذ. إضغـطْ على كافةِ الأطراف من أجلِ مساندتِك والعملِ بـتـفانٍ وتجـرّدٍ وإخلاص لكي نستحقَ الاستقلالَ ونستحقَ الحياة”.
أمـا للرئيس المكلَّف تأليفَ الحكومةِ، فقال: “أَسرعْ في مهمــتِــك لأنَّ البلدَ يتهاوى، والمواطن لم يَــعُــدْ يحتمل، والوقت يتلاشى والتاريخُ يُحاسِب، ضَــعْ يدَكَ بيدِ فخامةِ الرئيس واعملا معاً من أجلِ إنقاذِ لبنان، الظرفُ الصعبُ يقتضي التكاتُفَ من أجلِ تخطي العَــقَــبات، والتعالي عن كلِّ مصلحةٍ أو تشفٍّ أو تصفيةِ حسابات ويجبُ أنْ لا نُضيّعَ الوقتَ كي لا يَضيعَ الوطن. ودعاؤُنا أن يوفّقَ اللهُ كلَّ مسؤولٍ يعملُ بصدقٍ وإخلاصٍ من أجلِ خيرِ لبنان”.
وختم: “دَعـوَتُــنا أيضاً أَنْ نَسعَى إلى الحُرِّيَّـةِ والإِستِقلالِ الحَـقـيـقـِيَّـيـن، أَوَّلًا عَنِ الخَطيئَة، وثانِيًا عَن كُـلِّ خاطِئٍ يَـتَـسَـيَّــدُ عَلَينا بِخَطَاياهُ ويَجعَلُنا عَبيدًا عِـندَهُ، مُهَـدِّدًا إِيَّانا بِأَمنِنا وأَمانِنا”.

شارك المقال:

زر الذهاب إلى الأعلى