كيلو اللحمة في لبنان: ‘يوم مدعوم ويوم غير مدعوم’.. جشع واختلاف في التسعيرات.. إليكم التفاصيل
يوم مدعومٌ ويومٌ غير مدعوم. هكذا يعيش اللبناني يوميّاته في هذه الأزمة التي تتخبّط فيها الدولة ومصرف لبنان، ويمارس فيها التجار الجشع علناً. تجار اللحوم يخزّنون اللحم المدعوم ذات النوعية الجيّدة ولا يسلّمون اللحامين وفق التسعيرة المحدَّدة من قبل وزارتي الاقتصاد والزراعة. فيعيش الناس واللحامون تحت رحمة التجار الذين يرون نفسهم “أشطر” من محاسبيهم. واللحم المدعوم ينفد لدى اللحامين وبالتالي هو غير متوفِّر للناس على مدار الأسبوع. وسياسة الدعم تثبت فشلها يوماً بعد يوم، إذ إنّ أحداً لم يستفد من هذه السياسة سوى التجار.
لدى طلب سيدة كيلو من لحم العجل الطازج في إحدى الملحمات أمس، قال لها اللحام: “لم يعد لدي من اللحم المدعوم فاضطررت إلى أن أذبح العجل غير المدعوم وسعر الكيلو منه 50000 ألف ليرة”.
بالحديث مع هذا اللحام، يروي أنّ منذ حوالي يومين، أبلغهم التجار بأنّهم لن يسلموهم الأبقار المدعومة حتى يسدّد لهم مصرف لبنان كلفة الاستيراد. أمّا اليوم فقالوا إنّهم سيسلمون الأبقار المدعومة. لكنّ المشكلة لم تعد هنا فقط، فالتاجر يمارس الاستغلال والاحتكار، فهو يستلم مثلاً 500 رأس من الأبقار ويذبح منها 100 فقط ويحتفظ بالباقي، ويعلم اللحام بأنّ الأبقار المدعومة نفدت لديه، وهذه سرقة بكلّ ما للكلمة من معنى. كما يقوم أيضاً بتسليم البقر ذي النوعية الرديئة ويحتفظ بالجيدة منها، فإذا طلب اللحام مثلاً البقر الإسباني ذا النوعية الجيدة، يكون رد التاجر أنّها ليست مدعومة، “فالمدعوم هو ذو النوعية الرديئة”. ومنذ الأسبوع الماضي، حدّدوا عجلَين مدعومَين فقط للملحمة الواحدة، فكمية العجول المدعومة محدودة. عجلان فقط هي كمية تنفد لدى اللحام حسين خلال يومين ويضطر إلى أن يشتري في أيام الأسبوع الباقية العجول غير المدعومة ويبيعها بالسعر المرتفع.
“سياسة الدعم التي انتهجتها الدولة أتت لمصلحة التجار فقط”
“سياسة الدعم التي انتهجتها الدولة أتت لمصلحة التجار فقط، فهم استوردوا الأبقار بسعرٍ مدعومٍ ولا يفرجون سوى عن القليل بانتظار رفع الدعم لبيعها بسعرٍ مرتفع”، بحسب اللحام. التجار يسجّلون أرباحاً بملايين الدولارات بسبب سياسة الدعم هذه، واللحام يبيع اللحم لأنّ سعره انخفض رسمياً لكنّه لا يستفيد إلّا بالقليل القليل، لأنّ التاجر يسلّمه كيلو العجل بـ 26000 و27000 ليرة بدلاً من 22500 ليرة حسب السعر الذي حدّدته وزارتا الزراعة والاقتصاد، وهذا الربح يأكله التاجر من اللحام، والناس تدري أنّ هذا النوع من اللحم ليس هو الأفضل لكن بما أنّ سعره أرخص “أحسن من بلا”. والتاجر يصدر فواتير وهمية لتقديمها لمراقبي وزارة الاقتصاد إذا ما تعرّض للمساءلة. وهذه المخالفات لا يواجهها اللحام حسين فقط، فوفق قوله، كثير من الملحمات الأخرى تعاني من هذه الممارسات من قبل التجار.
ويقترح اللحام حسين شراء الأبقار بالدولار دون المرور بالتاجر، وأن تنحصر علاقة اللحام بوزارة الاقتصاد ليقبض ثمن فرق الدعم منها، “كي لا يسرقنا التاجر فهو يسرقنا علناً ولا يهمه أن يشتكي أحد عليه لوزارة الاقتصاد أو الزراعة، ولا يهاب أحداً في ظل غياب المحاسبة”.
ينقطع أحياناً اللحم المدعوم بسبب لعبة التجار الذين يخافون ألّا يسدّد لهم مصرف لبنان المال، ويكونون قد بدأوا باستيراد شحنة ثانية وثالثة، فهذه العملية تأخذ وقتاً طويلاً، لذا يخاف التاجر ولا يسلّم اللحم المدعوم للحامين. ويشرح إيهاب مدير ملحمة كساب أنّ التاجر يسلّم كيلو اللحم بعظمه للحام بـ 26000 ألف ليرة بدلاً من 22500 ليرة، وكلفة كيلو اللحمة على اللحام هي أكثر من 33000 ليرة وعليه بيعه بـ 36000 ليرة حسب تسعيرة الوزارتين.
ففرق الـ 3000 ليرة يجب أن يكون ربحاً للحام كي يكون قادراً على بيع الكيلو بـ 36000 ليرة و39000 ليرة. وعند شراء العجل من التاجر، يخسر اللحام من ثمنه 20% في العظام. والمشكلة وفق إيهاب أنّ لا رقابة على التاجر الكبير “لا يقدرون عليه في هذا البلد، فالتجار يؤلّفون كارتيلات، ونحن لا نستطيع أن نبيع بسعرٍ أعلى لكن علينا أن نشتري بسعرٍ أغلى من التجار”.
بالإضافة إلى ذلك، يخزّن التجار العجول التي يشترونها بالسعر المدعوم، ويحتفظون بالنوعية السوبر إكسترا منها لديهم ويغذّونها بالعلف كي يزيد وزنها أكثر ويمكنهم أن يربحوا أكثر بهذه الطريقة، وينتظرون رفع الدعم في كانون الثاني، لأنّ الدعم سيُرفَع في شهر 12، لبيعها بسعرٍ أعلى. وإن ارتفع سعر اللحم بعد رفع الدعم، سيخفّ البيع، لكنّ الناس ستشتري ولو القليل منه.
والتاجر يشتري ويبيع بالدولار حصراً، وهو لا يخسر سنتاً واحداً ولم يخسر في هذه الأزمة، فمَن يستورد باخرة أبقار يقبض ثمنها بالدولار، وحتى مع الدعم، “فالتاجر في لبنان هو الرقم واحد وهو المحتكر، وليس لدينا دولة، التاجر جشع وتكشّف ذلك في هذه الأزمة”، وفق إيهاب.
“على اللحام أن يتقدّم بشكوى عند أي مخالفة”
مشكلة الملاحم حُلَّت منذ أسبوع، وحدّدنا عدد العجول المدعومة لكل ملحمة باثنين، وعلى الملحمة التي تحتاج إلى أكثر من هذا العدد أن تتقدّم بطلب إلى الوزارة، مرفقاً بفواتير الثلاثة أشهر السابقة ويمكن حينها أن يحصل اللحام على أربعة عجول في الأسبوع ليس أكثر، وهذه العملية تسير بشكلٍ سليم، وبحال وردت شكاوى نقوم بحلّها فوراً، فملف اللحوم الحمراء الطازجة انتظم بنسبة 99%، لكن تبقى بعض الشكاوى النابعة من مشاكل شخصية بين اللحام والتاجر، يفيد وزير الزراعة عباس مرتضى.
وفي معرض حديثه، يشرح مرتضى أنّ هناك مشكلة التأخير في مصرف لبنان في ما يتعلق بمعاملات المستوردين، وهذا أمر لا يجب أن يحصل، إذ لا يجب أن يبقى ملف طلب الاستيراد شهرًا في مصرف لبنان، والمستوردون يخافون ألّا تُسدَّد أموالهم. هذه إشكالية نعاني منها في هذا القطاع لذا تواصلنا مع مصرف لبنان للتعجيل في هذه المعاملات.
وفي إطار مخالفة التاجر في تسعيرة بيع اللحوم للحام، أو أي مخالفات أخرى تتعلق بهذا القطاع، قال مرتضى :” أدعو أي لحام صاحب حق ومغبون أن يتقدم بشكوى خطية إليّ لأحيلها إلى النيابة العامة وأقوم بحل المشكلة فوراً، رقم جوالي متوفّر بين يدي الجميع، ومكتبي مفتوح لمَن يريد، وقد وردت إليّ ثلاث شكاوى وحوّلتها إلى النيابة العامة، ونحن نتابع أي شيء يتعلق ولو 1% بالزراعة”، لافتاً إلى أنّ موضوع تخزين العجول المخالِف والاحتكار هو من مسؤولية وزارة الاقتصاد وهو عمل الأجهزة الأمنية.
ويجب، وفق مرتضى، محاسبة أي شخص يمنع وصول السلع المدعومة إلى الناس، “فهذا غير مسموح لأنّ هذا الدعم يستهدف الشعب وليس الكارتيلات”.
وعن رفع الدعم في شهر 12، يقول الوزير: “فلنقل الآن أنّ هناك دعماً، فنحن في لبنان نستبق الأمور قبل وقتها، فلنتحلّ بالإيجابية على أمل أن تتشكّل الحكومة الأسبوع المقبل ولتسرع بحلّ هذه الأزمات العالقة قبل شهر 12”.
وتشير مصادر مطلعة في وزارة الاقتصاد أن لا تعميم أو معلومة رسمية وردت إلى وزارة الاقتصاد تفيد بأنّ رفع الدعم سيكون في شهر كانون الأول. وهناك شكاوى تتقدّم، ومصلحة حماية المستهلك تقوم يومياً بجولة مراقبة للتأكّد من الأسعار ولتتفحص الفواتير وتسطّر المحاضر بحال المخالفات. وعلى اللحام الذي يتعرّض لأي ممارسة مخالِفة من تجار اللحوم، كالفواتير الوهمية أو ما شابه، أن يتقدّم بشكوى إلى وزارة الاقتصاد، فهي بحاجة إلى أي إخبار لتكشف المخالفات والفاسدين وتقوم بعملها.
وتتفهّم المصادر أنّ المواطن لا يشتكي إلى الدولة بسبب فقدان ثقته فيها، وهذا يعود إلى الحكومات المتعاقبة التي لم تقم بواجباتها. لكن اليوم، حماية المستهلك تعمل بضمير فعلاً، وعلى المواطن أن يدرك حقّه وأن يطالب به، وأن يتقدّم بشكوى بحال أي مخالفة. وهناك أمر جداً هام، أنّ على المواطن مساعدة وزارة الاقتصاد في كشف الفاسدين قبل اللجوء إلى الإعلام، لأنّ بذلك هو يخدم الفاسد وليس نفسه، فالوزارة بحاجة إلى أي إخبار للقيام بمسؤولياتها.
وتضيف المصادر أنّ الفواتير بين تاجر اللحوم واللحام تُظهر إذا كان هناك التزام بالسعر الرسمي أم لا، وحماية المستهلك خلال جولاتها في الأسواق، تطلب هذه الفواتير لكشف المخالفات، وعلى اللحام ألّا يقبل أن يشتري من التاجر بسعرٍ غير التسعيرة الرسمية وإلّا سيكونان مخالفين معاً.