آب سيكون لهّاباً هذا العام سياسيا وامنيا …. ما بعد ٧ آب ليس كما قبله

الحقيقة التي تهرب السلطة الحاكمة منها، هي انّ لبنان بـ”همّتها”، صار على كف عفريت وفقد مناعته بالكامل؛ أفلس تماماً في ماليته، وفي القدرة على توفير ابسط عناصر الحماية التي تقيه حتى من نسمة ريح بسيطة. وكمتفرّج وقح، تراقب تفسّخ الهيكل اللبناني، من دون ان تكلّف نفسها سندَه بالدعامة التي يحتاجها!

آب اللهاب!

في موازاة ازمة الاقتصاد والمال، وما يتناسل منها من كبائر وموبقات من السلطة وكل ما يتصل بها، يقف لبنان على عتبة مرحلة شديدة الحساسية، فكل المؤشرات تنذر بأنّ شهر آب المقبل، سيكون لهّاباً سياسياً وامنياً، حيث يقع في بداياته موعد الحكم الذي ستصدره المحكمة الدولية في السابع منه، في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وما قد يترتب على الحكم من مفاعيل داخلية، ويقع في نهايته موعد التمديد الروتيني لقوات “اليونيفيل” العاملة في الجنوب.
البلد امام حال من حبس الأنفاس، فموعد 7 آب، هو استحقاق مُنتظر منذ العام 2005 للنطق بالحكم على القاتل، الّا انّ الانظار تتجّه نحو ارتداداته، وكيفية تلقف الحكم، إن من جمهور الرئيس الشهيد او من الجهة التي قد يستهدفها هذا الحكم. وفيما يعتصم “حزب الله” بالصمت، كان لافتاً اعلان الرئيس سعد الحريري انّه سيكون له موقف في 7 آب، وقال: “هناك عقلانية دائماً في موضوع رفيق الحريري، ولكن هناك عدالة يجب ان تتحقق”. علماً انّ كتلة “تيار المستقبل” دعت جمهور التيار والمحازبين “الى وجوب الاعتصام بالصبر والهدوء والتصرّف المسؤول وتجنّب الخوض بالأحكام والمبارزات الكلامية قبل صدور الحكم”.

الامن جنوباً .. و”اليونيفيل”

على انّ حبس الأنفاس الامنية، ماثل على الجبهة الجنوبية، وسط اجواء التوتر وحال الاستنفار القائمة على جانبي الحدود، ربطاً بالتطورات العسكرية التي شهدتها مزارع شبعا قبل يومين، وبتهديد “حزب الله” بالردّ المزدوج على اسرائيل، انتقاماً لمقتل احد عناصره علي محسن في سوريا، وعلى القصف الاسرائيلي للمناطق اللبنانية وصولاً الى بلدة الهبارية في قضاء حاصبيا.
وفيما اعلنت اسرائيل انّها عزّزت وجودها العسكري بالقرب من الحدود مع لبنان، في ظلّ تحليق مكثف للطيران الحربي والاستطلاعي الاسرائيلي في الاجواء الجنوبية، تحسباً لردّ “حزب الله”، لوحظت امس دوريات مشتركة ومكثفة بين الجيش اللبناني وقوات “اليونيفيل” على طول الحدود الجنوبية اللبنانية.
واللافت، انّ تصعيد التوتر جنوباً، يأتي في اعقاب ما أُعلن في الآونة الاخيرة، عن توّجه اميركي لتعديل مهام قوات “اليونيفيل” في الجنوب ، وهو الامر الذي تطالب به اسرائيل، وقد اعلن لبنان رفضه لتعديل هذه المهام، وابلغ موقفه هذا عبر رئيس الحكومة حسان دياب الى الاميركيين، وكذلك الى الاوروبيين، ولاسيما وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان، الذي اكّدت مصادر السرايا الحكومية لـ”الجمهورية”، انّه تبنّى بالكامل موقف الجانب اللبناني لناحية الإبقاء على مهام “اليونيفيل” كما هي دون المسّ بها.

قائد الجيش

الى ذلك، كان الوضع في الجنوب، اضافة الى وضع “اليونيفيل” محل بحث بين قائد “اليونيفيل” الجنرال ستيفانو دل كول وقائد الجيش العماد جوزاف عون، الذي اكّد في “امر اليوم” لمناسبة عيد الجيش، “التزام لبنان التعاون مع قوات الامم المتحدة المؤقتة العاملة في لبنان والقرار 1701 بمندرجاته كافة”، لافتاً الى انّ “العدو الاسرائيلي يكرّرُ محاولات النيل من وحدتنا الوطنية، ويسعى إلى تحقيق أطماعِه المستمرة والدائمة في أرضنا ومياهنا وثرواتنا البحرية”.

واكّد العماد عون “انّ الجيش سيبقى صمّام امان وشريان الحياة للوطن كله، وهو يقف على مسافةٍ واحدةٍ من الجميع بعيداً من الفئوية الضيّقة، ويحمي الصيغة اللبنانية الفريدة، وسيقف بمواجهة أية محاولاتٍ للعبث بالاستقرار والسلم الأهلي وأي إخلال بالأمن أو ضرب صيغة العيش المشترك”.

مافيات

داخلياً، لا يمضي يوم الّا وتقدّم السلطة دليلاً اضافياً على انّها جسم غريب على البلد؛ همّها فقط الانبهار بنفسها، وبما تسمّيها إنجازاتها العظيمة، فيما فتيل الأزمة، بات قريباً جداً من لحظة الانفجار الكبير، والانهيار المريع في كل مفاصل البلد ومرتكزاته. واما المواطن المقهور، فقد اخضعته السلطة لحكم المافيات؛ مافيا الدولار والسوق السوداء، مافيا التجار والاحتكارات ورفع الاسعار، مافيا اللحوم والمأكولات الفاسدة، مافيا الفيول المغشوش، مافيا المازوت، مافيا البنزين، مافيا التهريب، مافيا الكهرباء وتقنينها المريب، مافيا الإتجار بفحوصات الكورونا، مافيا التلوث والنفايات. تضاف كلها الى مافيا السلطة التي اصبح معها المواطن اللبناني على جهوزية تامة لبلوغ لحظة التداعي النهائي، وما يعيشه حتى تلك اللحظة، ليس سوى وقت اضافي لا قيمة له، واقصى طموحاته لم يعد يتجاوز سقف لقمته لا اكثر.

السلّة وانتظار العون

وبالتوازي مع استمرار مسلسل الازمات والفضائح، لم تظهر بعد نتائج سلة السلع المدعومة، حيث استمرت الاسعار في التحليق متخطية قدرة المواطن على اللحاق بها، فيما تُمني السلطة نفسها بقدوم العون الخارجي قريباً، وتحديداً من الباب العراقي. الّا انّ الواقع لا يحمل اي مؤشرات حول هذا الامر.

ضغوط

على انّ اللافت في موازاة ذلك، ما كشفته مصادر حاضنة الحكومة لـ”الجمهورية”، عن محاولات لتعطيل انفتاح بعض الدول العربية على لبنان، لمساعدته في الخروج من ازمته.

وقالت المصادر: “الجهات الرسمية اللبنانية تبلّغت معلومات عن ضغوط تُمارس من قِبل جهات خارجية، عربية تحديداً، تؤازرها جهات لبنانية معارضة بشدّة للحكومة، لمنع ابرام اي اتفاق نفطي او غير نفطي، بين لبنان وكلّ من العراق والكويت. وانّ احد الديبلوماسيين خارج لبنان، قد ابلغ الى المعنيين بحركة الاتصالات اللبنانية- العربية ما مفاده: “لا يجب ان تعطوا حكومة حسان دياب اوكسيجين، دعوها تختنق وتقع”.

واكّدت المصادر، انّ احد السفراء العرب في بيروت كشف بصراحة “اننا نتعرّض لضغوط كبرى”. فيما اكّد ديبلوماسي عراقي “انّ بغداد لن تستجيب لأي ضغوط، خصوصاً وانّ قرار السلطات العراقية حاسم ونهائي بالانفتاح على لبنان والتعاون معه اقتصادياً وتجارياً ونفطياً”.

خيبة فرنسية

على صعيد سياسي آخر، ما زال لبنان متأثراً بارتدادات وزير الخارجية الفرنسية الى بيروت. وعلى ما يقول مطلعون على تفاصيل الزيارة، فإنّ الفرنسيين “حضروا الى لبنان الذي كانوا يعرفونه، فصُدموا بلبنان جديد قائم على انقاض الجمال الماضي، محمول على سفينة توشك على الغرق، وعلى رأسه سلطة كشفتها الأزمة، وعرّت فريقها الحاكم بأكمله، ونزعت عنه آخر ورقة توت كان يستر بها قبائحه وعيوبه”.
الجديد حول الزيارة، هو تقييم الفرنسيين لزيارة وزير خارجيتهم الى بيروت، وقد تبلّغته المراجع الرسمية عبر القنوات الديبلوماسية من العاصمة الفرنسية.
وعكس هذا التقييم “شعوراً بالخيبة، وشكوكاً في ان تبادر السلطة الحاكمة في لبنان الى اجراء الاصلاحات الانقاذية لهذا البلد، وهذا ما يزيد خوف الفرنسيين من ان ينتهي لبنان كدولة وكوطن”.
التقييم الفرنسي، الذي أمكن لـ”الجمهورية” ان تلتقط جانباً اساسياً منه، يؤكّد انّ “كل نوافذ وابواب المساعدات الدولية مقفلة امام لبنان، طالما الفريق الحاكم فيه لم يقدّر بعد حجم وضع بلدهم الكارثي، ومحجمٌ عن القيام بأبسط واجباته بتوفير علاج اصلاحي، يحرّف مسار لبنان عن وجهة السقوط الذي ينتظره”.

خلاصة التقييم، “انّ في لبنان كلاماً كثيراً، ووعوداً اكثر، ولا افعال حقيقية، وبالتالي، فإنّ الكرة في ملعب السلطة، والرمية الاخيرة في يدها، وكل كلام قيل امام الوزير لودريان عن نيات وعزم على تنفيذ اجراءات وخطوات واصلاحات ضرورية، يبقى شيكات بلا رصيد حتى يثبت العكس. وفي النهاية مفتاح باب المساعدات كان ولا يزال في يد السلطة في لبنان”.

تحفظ .. استياء .. تفهّم

مقابل ذلك، كان تقييم رسمي لبناني للحضور الفرنسي في لبنان، فبحسب الأجواء التي وقفت عليها “الجمهورية”، انّ هذا ال
ثالثاً، استياء واضح في موقع آخر. فما تبدّى للجانب الحكومي، هو تجاهل لودريان الكلي والمتعمّد لما قامت به الحكومة من خطوات واصلاحات، مع انّ الحكومة نفسها سبق لها ان تلقّت قبل بضعة اسابيع، إشادات فرنسية مباشرة بما تقوم به. وخصوصاً حينما ابلغت الى الفرنسيين، سواء وزير الخارجية او ناظر “سيدر” السفير بيار دوكان، بخطة التعافي.
وعلى ما يُقال في هذا الموقع الرئاسي، انّه قبل وصول لودريان، تبلّغ الجانب الحكومي اجواء عن اتصالات من دول مساهمة بـ”سيدر” مع الفرنسيين تحث على السير فيه، وكذلك اتصالات اوروبية مع الفرنسيين ايضاً لحثهم على اطلاق مبادرة تجاه لبنان. (سبق ذلك ما تسرّب عن مبادرة سيطلقها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون تجاه لبنان) الّا انّ الجانب الحكومي فوجئ بأنّ لودريان كان سلبياً جدًا، وساق اتهامات كثيرة، فتمّت مواجهته بجدول مفصّل بكل ما قامت به الحكومة، وكان لافتاً للانتباه انّه بدا وكأنّه يسمع بها للمرة الاولى. وكان تأكيد على انّ الحكومة لا يمكن لها ان توافق على اعتبارها قولاً او ايحاء، بأنّها مقصّرة او مخلّة بواجباتها. ورئيس الحكومة اكّد للوزير الفرنسي ما حرفيته: “الاصلاحات التي نجريها، هي من اجل بلدنا وليس من اجل اي بلد آخر، لقد قامت الحكومة بواجباتها كاملة، واعدّت مجموعة كبيرة من مشاريع القوانين الاصلاحية واخذت مسارها الطبيعي الى مجلس النواب لاقرارها”. وحينما عبّر لودريان عن خشية من انتهاء لبنان كوطن، قال له رئيس الحكومة: “لبنان جسر بين الشرق والغرب، فاذا سقط لبنان، يسقط هذا الجسر، وكارثة على العالم لأنّه سيخسر قيمة انسانية وحضارية”.
ويجزم الجانب الحكومي، بأنّ “ثمة قراراً بالتضييق، مهما فعلت السلطة”، ويسأل: “مع كل خطوة اصلاحية يأتي البعض في الخارج، مؤيّداً من بعض الداخل، ويدرجها في خانة غير المقبولة وغير المقنعة ومجافية لمنطق الاصلاح، فأي اصلاح هو المقبول في نظرهم؟ وما هي الاصلاحات، أو بالاحرى ما هو نوع الإصلاحات التي يطلبونها؟ الحكومة تتعرّض للضغط القاسي، فقط لمجرّد الضغط، ولغايات يُخشى ان تكون كامنة تحت عنوان الاصلاحات، واكبر من قدرة الحكومة، ومن قدرة اصحاب تلك الغايات، على مقاربتها لحساسيتها اللبنانية والاقليمية والدولية”.

الحق علينا

رابعاً، تفهّم في موقع رئاسي ثالث، للصراحة التي قارب فيها الوزير لودريان الملف اللبناني والازمة الاقتصادية والمالية وأسبابها، وللنصائح التي أسديت من المجتمع الدولي والمؤسسات المالية الدولية، من دون ان تلقى استجابة من السلطة، والتي عاد وكرّرها، لتجنّب الكارثة.
وبحسب ما يقال في هذا الموقع الرئاسي فإننا “لا نسلّم بكلّ المآخذ التي سجّلها لودريان على الحكومة، وخصوصاً لناحية تحميلها وحدها مسؤولية التسبّب بالأزمة من دون اي اشارة الى الحقبات الحكومية السابقة، ولكن يجب ان نعترف بأنّ الحق علينا، واننا فقدنا ثقة العالم وجعلناه يشكّ بنا ولا يصدقنا، نحن حوّلنا بلدنا الى جمهورية فساد بالكامل، ومحميّات ولصوصيات، وارتكبنا بحقه كل الموبقات المخجلة، وتسببنا بكل هذا الانهيار الحاصل في لبنان”.

يضيف صاحب هذا الكلام: “الحكومة مسؤولة، هذا صحيح ولا تستطيع ان تدّعي غير ذلك، كان عليها ان تثبت انها جدية، وان تتجنّب كل السقطات التي وقعت فيها والتجارب الفاشلة التي أجرتها بلا اي طائل، والثغرة الاساس في التعيينات، وفي ملف الكهرباء، وفي غيرها من الملفات المشبوهة، والفضائح، وكل ذلك ما كان ليحصل لو كان هناك قضاء بمنأى عن المداخلات السياسية، وهذا ما يعترف به وزراء في الحكومة، كلّ ذلك رآه الوزير الفرنسي بأمّ عينه، وأمام ما رآه، هل ننتظر منه ان يقول أقل ممّا قاله؟”.
ويتابع: “في الاساس، ندرك انّ باب المساعدات الخارجية مقفل امام لبنان، وعشرات الشواهد، الاميركية تحديداً، تؤكد ذلك. وتِبعاً لذلك صار علينا ان نصنع العلاج بقدراتنا الذاتية، حتى ولو كانت متواضعة وبطيئة المفعول. فالوزير الفرنسي أطلق رصاصة الرحمة على كل أمل بتلقّي لبنان اي مساعدة من اي دولة، الّا اذا استطاع لبنان ان يعثر على تلك النافذة التي تحدث عنها، والتي يتمكّن من خلالها اللبنانيون من الولوج الى خلاصهم وإنقاذ بلدهم”.

توزيع الخسائر

الى ذلك، علمت “الجمهورية” انّ المقاربة الموحدة لأرقام الخسائر، شارفت على التوافق النهائي حولها. وانّ النقاش بين الدولة والمصارف ومصرف لبنان، صار اكثر قرباً من التسليم بأرقام الحكومة، الّا انّ نقطة الخلاف الجوهرية هي على كيفية توزيع الخسائر والنسبة التي سيتحمّلها كل طرف.
وبحسب المعلومات فإنّ المصارف مُصرّة على عدم المسّ بودائعها رافضة أيّ “هيركات” يطالها، وتطالب بأن تقايض ديونها للدولة ببعض الاصول التي تملكها الدولة، وترفض في الوقت نفسه ان تُشرَك في سداد الخسائر باعتبارها ليست معنية بها، بل انّ لها ديناً على الدولة. وهو أمر رفضه الجانب الحكومي، وأبلغ المصارف موقفاً نهائياً: “أصول الدولة خط أحمر، وليست للبيع”.
وتشير المعلومات الى “انّ الحكومة حسمت قرارها من البداية بأن يتحمّل الاطراف الثلاثة: المصارف ومصرف لبنان والدولة، كل الخسائر. وهي بناء على ذلك مُصرّة على تحميل المصارف جزءاً منها باعتبارها كانت من الاطراف المسبّبة للأزمة التي وصل إليها. أمّا الطرح الحكومي في هذا المجال، فينطلق من التأكيد على انّ “أصل ودائع المصارف محفوظ، ولا تريد الحكومة أن تجري “هيركات” عليها، الّا انّ المصارف يجب ان تتحمّل المسؤولية، إذ انها على مدى سنوات طويلة اخترعت ما يسمّى “اقتصاد الفائدة” وجعلته مشروعاً استثمارياً، وحققت من خلال الفوائد على ودائعها (بين 20 %، و30 %، وفي بعض الاحيان 40 %) أرباحاً خيالية. وبناء عليه، فإنّ الطرح الحكومي هو اقتطاع نسبة من هذه الفوائد، او بمعنى أدق من هذه الارباح، باعتبارها أرباحاً غير شرعية بالصورة التي تحققت فيها”.
وبحسب المعلومات فإنّ الحكومة ترى أنه من الواجب ايضاً أن يتحمّل “مصرف لبنان” المسؤولية، “فهو أيضاً كان يديّن الدولة على رغم إدراكه انها غير قادرة على السداد، ولم يرفض مرة طلباً للسلطة السياسية التي كانت تتصرّف بالمال على هواها (توزيعات، تنفيعات، هدر، رشاوى صفقات وسمسرات)، إضافة الى تسرّب ملايين الدولارات في اتجاهات مختلفة، منها لقنوات تلفزيونية، ومنها “لإعلاميين مَحظيين”، ومنها لراهني عقارات وما الى ذلك، وكل ذلك سيُظهره التدقيق الجنائي بالتفصيل”.

أمّا مسؤولية الدولة، كما تحددها الحكومة، فهي “ان تتحمل جزءاً من الخسائر، ارتكازاً على مبدأ انّ أصول الدولة خط أحمر وليست للبيع، على ان يكون السداد من مشاريع استثمارية (BOT)، قد تنشأ في بعض الأصول العقارية، وكذلك من عائدات اصول الدولة (الاتصالات، الجمارك، كازينو لبنان، الريجي وغيرها)، بحيث تقتطع نسبة محددة من هذه العائدات، وتوضع في “صندوق سيادي” ينشأ لغاية سداد الخسائر.

السرايا

الى ذلك، قالت أوساط قريبة من السرايا الحكومية لـ”الجمهورية” انّ توزيع الخسائر لا بد أن يحسم، وستكون للمصارف حتماً حصتها من تحمّل الخسائر، وهنا يجب ان ننتبه الى انّ نحو 60 % من أسهم المصارف يملكها سياسيون، وغالبيتهم ممّن شاركوا في حقبة الثلاثين سنة الماضية.
وبحسب الاوساط نفسها “فالوضع أشبه بسجادة، كان المتحكّمون بالمال والسلطة على مدى السنوات الثلاثين الماضية يرمون تحتها كل الموبقات التي يرتكبونها، وجاءت هذه الحكومة ورفعت السجادة لِتجد تحتها عجائب وغرائب، وقررت تنظيف ما تحتها. لذلك، فإنّ جوهر الصراع حالياً هو بين من يريد ان ينظّف ما تحت السجادة ولا يريد العودة الى اعتماد النهج القديم، ويقول: هذه هي خسائري الحقيقية بهذا الحجم تعالوا لنتعاون على سدادها، وبين من يريد ان يكمل بالنهج القديم ويبقي موبقاته تحت السجادة، لا بل يريد ان يلقي موبقات إضافية تحتها”.

أرقام مخيفة

الى ذلك، تتكشّف يوماً بعد يوم الآثار التي ترخيها الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعصف بالبلد. فالاحصاءات تشير الى أرقام شديدة الخطورة، ولعل الأسوأ فيها انّ ما يزيد عن مليوني لبناني صاروا فقراء لا يملكون قدرة توفير احتياجاتهم الاساسية. هذا في وقت تؤكد الاحصاءات انّ مئات المؤسسات قد أفلست وأقفلت نهائيّاً وأخرجت موظفيها، اضافة الى تسريح آلاف الموظفين من مؤسسات أخرى، والتوقعات في هذا السياق تشير الى انّ عدد العاطلين عن العمل سيصل حتى نهاية السنة الحالية الى نحو مليون.
وبحسب المعنيين في المجال الاحصائي، فإنّ السلة المدعومة التي أعلنتها الحكومة قبل اسابيع ما زالت على الورق، ولم تأت بالثمار المرجوّة منها حتى الآن. وهذا يوجب اتّباعها بخطوات اكثر فعالية لكي يلمسها المواطن، علماً انّ هذا الدعم هو دعم مؤقت لا تستطيع ان تستمر به الحكومة الى ما لا نهاية، إذ انه سيستنزف الاحتياط بشكل خطير، الّا اذا وجدت الحكومة الحلول الملائمة التي تعوّضها عن هذا الدعم، خصوصاً انّ الحلول ما زالت ممكنة وليست معدومة. والمطلوب بالدرجة الاولى هو تغيير المسار الحالي وملامسة الحلول الجذرية.
– الجمهوريه

شارك المقال:

زر الذهاب إلى الأعلى