محمد وهبة: كيف افتُعلت أزمة البنزين؟ ومن المستفيد منها؟

خلال الأسبوع الماضي انفجرت أزمة بنزين. شمل انقطاع هذه المادة محطّات مختلفة جغرافياً، وبدأ في الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت وفي الجنوب ثم توسّع في اليومين الماضيين إلى مناطق أوسع. وبحسب تصريح لممثل موزّعي المحروقات ومستشار نقابة المحطات فادي أبو شقرا فإنّ الأزمة ناجمة عن انقطاع في مادة البنزين يشمل أربع شركات هي: هيبكو، يونيترمينال، توتال، وردية. وأشار إلى أن هذه الشركات لم توزّع مادة البنزين على المحطّات (سواء التي تملكها أو التي تتعامل معها) بسبب تأخّر مصرف لبنان في فتح الاعتمادات، ما عرقل وصول البواخر المحمّلة بالكميات وأدّى إلى استنزاف وفراغ خزانات الشركات.

ثمة معطيات كثيرة عن أزمة مفتعلة. فإلى جانب كون الانقطاع مرتبطاً بأربع شركات حصّتها السوقية 40% من مبيعات البنزين والمازوت، برزت معطيات رسمية تشير إلى أن خزانات الشركات المستورِدة للبنزين كان فيها يوم الأربعاء الماضي أكثر من 40 ألف طن بنزين، ما يثير الشكوك بذريعة الشركات حول التأخّر في فتح الاعتمادات، بل يجعلها مضلّلة أيضاً طالما أن هناك شركات أخرى قادرة على استيراد الكميات.

الهدف من افتعال الأزمة مرتبطٌ برغبة الشركات الأربع في تسديد ثمن البضاعة قبل تفريغها من البواخر وإجراء الفحوصات عليها. مطلبها حمله السفير الفرنسي إلى مصرف لبنان في كتاب نيابة عن شركة توتال فرنسا يشير فيه إلى أنها ستتوقف عن إرسال البنزين والمازوت إلى لبنان إلّا في حال سدّد ثمن البضاعة قبل عملية التفريغ. وهذا يعني، أن توتال والشركات الثلاث الأخرى، تريد من مصرف لبنان أن يحوّل الليرات المودعة مسبقاً ثمناً للشحنة، إلى دولارات يمكن تحويلها إلى الخارج قبل تفريغ البواخر في الخزانات. والأمر نفسه، طالبت به توتال لبنان في اجتماع عُقد أخيراً في لجنة الطاقة النيابية بحضور ممثلين عن شركات استيراد المحروقات ومندوب عن مصرف لبنان. يومها تبلّغت الشركات أنه لا يمكن تنفيذ العملية بهذا الشكل من أجل ضمان دخول البضائع إلى الخزانات في لبنان وتوزيعها في السوق المحلّية لتجنّب إعادة تصدير البنزين والمازوت إلى الخارج.

ورغم إجماع الشركات على تسديد الاعتمادات عند التفريغ، إلّا أنّه في الأسبوع الماضي وصلت، على سبيل المثال، باخرة محمّلة بأكثر من 30 ألف طن مستوردة باسم توتال لبنان.
لم تُفرغ الباخرة حمولتها في خزانات توتال على الشاطئ اللبناني، بحجّة عدم تسديد ثمن البضاعة للشركة المورّدة في الخارج، ما أبقى الكميات عالقة على متن الباخرة. بمعنى آخر، إن الشركات الأربع تمارس ضغوطاً على مصرف لبنان مسبقاً عبر قطع عمديّ للبنزين من السوق.

عند هذا الحدّ يظهر جشع الشركات بوضوح وبوقاحة. هذه الشركات المملوكة من شركات أجنبيّة أو مملوكة من لبنانيين عبر شركات مؤسّسة في الخارج، وهي استحوذت على حصّة وازنة من سوق مبيعات النفط خلال العقدَين الأخيرين وحققت أرباحاً طائلة، سواء بالآليات القانونية أو عبر الاحتيال والغشّ، ثم حوّلتها جزئياً أو كلياً إلى الخارج. حولتها إلى رساميل لتمويل الصفقات التي تقوم بها في الخارج.

استفادت هذه الشركات كثيراً من الدولارات الآتية إلى لبنان بعرق المغتربين وبالفوائد المحلّية المرتفعة، لكنها اليوم ترفض توريد البضائع لشركاتها المحلية بضمانتها. تريد الاستحواذ مسبقاً على حصّة من احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية!
إلى جانب شركة «توتال – لبنان» المملوكة من شركة «توتال – فرنسا»، فإن شركة «يونيتيرمينال» مملوكة بنسبة 50% من «المجموعة البترولية المستقلة» في الكويت، وشركة «وردية» مملوكة بنسبة أكبر من السعودي سموأل عبد الله بخش، وشركة «هيبكو» مملوكة من شركة «بي بي اينرجي» في الخارج أيضاً. هذه الأخيرة ليس مملوكة من مستثمرين أجانب، بل من عائلة لبنانية (آل البساتنة) لكن مجمل عملها يتركّز في الخارج.

ما حصل من انقطاع لمادة البنزين، وقبله في مادة المازوت، ليس سوى عيّنة لما يمكن أن يتكرّر في الأيام المقبلة. فما يحصل ليس سوى عملية ضغط تمارسها الشركات على مصرف لبنان من أجل تحصيل مكتسبات تمنحها أفضلية سوقية على باقي الشركات. واللافت أنّ هناك شركات أخرى قادرة على تفريغ حمولة البواخر قبل تسديد الاعتمادات من قِبل مصرف لبنان، لأن مورّديها في الخارج مستعدّون لضمان البضاعة.

هذه الشركات وزّعت مادتي البنزين والمازوت في السوق لتغطية النقص الناتج من سلوك وممارسات الشركات الأربع لأنها متيقّنة من أن تسديد ثمن البضاعة مرتبط بعملية التدقيق في المستندات التي يُفترض أنها تمنع تغطية الأرباح بدولارات مصرف لبنان (من احتياطاته بالعملات الأجنبية المخصّصة لدعم استيراد المحروقات لتأمينها في السوق المحلية).

لولا هذه الشركات لكانت الأزمة أكبر وأوسع، ولعلّها أولى التصدعات التي تصيب كارتيل النفط والتباعد في مصالح الشركات.

شارك المقال:

زر الذهاب إلى الأعلى