أميركا بين العنصرية والطبقية
لطالما سمعنا أن زمن العبودية قد ولى. أذكر جيدا درس العنصرية بمادة التربية بالصف الرابع. وأذكر جيدًا الصورة التي كانت في الكتاب، عن أشخاص من ذوي البشرة السمراء مرميّين على بطونهم على الأرض، مكبّلين من قبل عناصر الشرطة الأميركية ذوي البشرة البيضاء.
واخذت تتحدث معلمة التربية عن جزء من تاريخ العبودية في أميركا، وكيف تغلبوا عليها وكيف أصبحت أميركا بالرغم من بعض الجيوب العنصرية المنتشرة بين ضواحيها رمزًا للحرية والعدالة والمساواة. لم أكن أصدق حينها أن تاريخ هذه الدولة كان مليئًا بمواجهات سببها العنصرية. لربما كان السبب مشاهدتي لقناة Disney الأميركية آنذاك، وكيف الأولاد في المدارس، والجامعات، والأحياء من سود وبيض يتعايشون مع بعضهم ويتقبلون بعضهم. لطالما قدمت لنا أميركا صورة التعايش العرقي في فنها، وأفلامها، ومسلسلاتها. كل هذا وأكثر جعلنا نكوّن فكرة منذ صغرنا أن أميركا عظيمة جدًا ولا يمكن هزيمتها، وسواء اتفقنا مع سياساتها أم لا، لا أحد يستطيع أن ينكر بأنها دولة عظيمة وشعبها “مرتاح”.
هل فعلا جميع الشعب الأميركي “مرتاح”؟
منذ أيام قليلة، سمعنا بحادثة وفاة رجل أميركي أعزل أسمر اللون في مدينة مينيابوليس بعد أن وضع شرطي أميركي أبيض البشرة ركبته على عنقه حتى أن صرخ الأعزل مستغيثا “لا أستطيع التنفس”. ومكتب التحقيقات الفيدرالي يقوم بالتحقيق حول القضية.
مثل هذه الحادثة، تعيد إلى أذهاننا تاريخ العبودية والعنصرية القديم، من جرائم وتحريض دائم ضد أصحاب البشرة السوداء، حيث أُعطي الأميركيون البيض إمتيازات وحقوقًا انحصرت بهم دون الأعراق الأخرى.
دعونا نستذكر تاريخ العبودية في أميركا، في عام 1961، أقر أول نظام لمكافحة تمازج الأجناس _ حظر الزواج بين الأفراد من أعراق مختلفة _ في صيغة قانون في ماريلاند، بعد فترة قصيرة من جلب المستبعدين إلى المستعمرات. وبحلول ستينيات القرن العشرين، كانت هناك 21 ولاية أميركية معظمها في جنوب الولايات المتحدة، لا تزال محافظة على تلك القوانين. وكانت ألابما آخر ولاية تلغي الحظر المفروض على الزواج بين الأعراق المختلفة في عام 2000.
وتفشت العبودية، بحسب مقال أعدته صحيفة “Guardian” البريطانية في حقول التبغ في فرجينيا وماريلاند وكارولينا الشمالية. وفي المناطق المنتجة في تلك الولايات، كان العبيد يشكلون أكثر من 50% من السكان بحلول عام 1776، ثم انتشرت العبودية بعد ذلك في مزارع الأرز في مناطق أبعد في الجنوب الأميركي، وتشير بيانات التعداد إلى أن الأميركيين الأفارقة ظلوا أغلبية في ولاية كارولينا الجنوبية، حتى بدايات القرن العشرين.
وكانت تجارة العبيد التي أدارتها بريطانيا عبر المحيط الأطلسي واحدة من أكبر الأعمال التجارية في القرن الثامن عشر، وقد تمكن ما يقرب من 600 ألف من أصل 10 ملايين عبد أفريقي، من الوصول إلى المستعمرات قبل حظر تجارة العبيد _ وليس نظام العبودية _ من قبل الكونجرس في عام 1810.
قوانين الفصل العنصري في عصر جيم كرو:
شملت بعض أمثلة قوانين رئيس الجمهورية الأميركية أنذاك جيم كرو الفصل في المدارس الحكومية، الأماكن العامة، والنقل العام، والمراحيض العامة، المطاعم، ونوافير الشرب، بين البيض والسود، وحتى الخدمة العسكرية. واستمر كل ذلك إلى ستينيات القرن العشرين.
تلت قوانين جيم كرو التي وضعت ما بين 1800-1866، والتي كانت تقيد الأفارقة الحقوق وحرياتهم المدنية، والحريات المدنية للأفارقة. أعلنت عدم دستورية التمييز في المدارس تحت رقابة الدولة من قبل المحكمة العليا الأميركية عام 1954 في قضية براون ضد مجلس التعليم. بصفة عامة، بقيت قوانين جيم كرو ساريةً حتى استبدلت بحقوق المدنية 1964، وقانون حق التصويت 1965 الذي حظر التمييز العنصري وفرض قيودا على الولايات الجنوبية لمنعها. لكن تلك القيود ألغيت مؤخرًا بقرار من المحكمة العليا عام 2013.
كل هذا وأكثر كان في الماضي. لكن بعد كل هذه التشريعات ونضالات الكثيرين كمارتن لوثر كينغ وغيره، هل تحسنت حقا حياة ذوي البشرة السمراء في الولايات المتحدة الأميركية؟
نشر موقع ” ذا كونفرزيشن” مقالًا لشارون أوستين، أستاذة العلوم السياسية ومديرة برنامج الدراسات الأميركية الأفريقية بجامعة فلوريدا، أقامت فيه مقارنة بين أوضاع الأميركيين السود في عام 1968 وما آل إليه حالهم اليوم. وأبرزت أيضًا في مقالها جهود مارتن لوثر كينغ في القضاء على العنصرية.
تقول شارون في مقالها: ” في ذلك الوقت، منذ أكثر من نصف قرن، كان الإندماج العرقي الشامل الذي يقتضيه قانون حقوق المدنية أكثر لعام 1964 مجرد بداية للقضاء على العنصرية في التعليم والوظائف والمرافق العامة. ولم يحصل الناخبون السود على حمايات قانونية سوى قبل ذلك بعامين وكان الإسكان العادل على وشك أن يكون قانونيا في عام 1968″.
الأميركيون الأفارقة فقط كانوا يبدأون الإنتقال إلى مدن وجامعات ووظائف، التي كانت ذات مرة حكرًا على البيض فقط”.
في عام 1968، على الصعيد الإقتصادي، كان 10% فقط من البيض هم الذين يعيشون تحت خط الفقر، في حين عاش 34% من الأميركيين الأفارقة في المستوى ذاته. أيضًا، 2.6% فقط من البيض كانوا عاطلين عن العمل، مقارنة ب 6.7% من الباحثين عن العمل من السود.
كما أن معدل الفقر بين الأميركيين السود اليوم، والذي يبلغ 21%، هو ثلاثة أضعاف معدل الفقر بين البيض. ومقارنة بمعدل عام 1968 الذي يبلغ 32%، ليس هناك تحسن كبير. وفي عام 2018، كان دخل أسر السود يبلغ 57.30 دولارًا, من كل 100 دولار للبيض. ومن كل 100 دولار في ثروة العائلات البيضاء، حصلت عائلات السود على 5.04 دولارات فقط.
الأميركيون السود اليوم أصبحوا أيضاً أكثر اعتماداً على الإعانة الحكومية أكثر مما كانوا عليه في عام 1968، ذلك أن نحو 40% من الأميركيين الأفارقة فقراء بما يكفي للحصول على إعانة ومساعدة سكانية وبرامج حكومية أخرى تقدم دعماً متواضعاً للعائلات التي تعيش تحت خط الفقر.
هذه الإعانة أكبر مما تحصل عليه أي مجموعة عرقية أميركية أخرى. وفقط 21% من اللاتينيين و18% من الأميركيين من أصل أسيوي و17% من البيض يعيشون على الإعانة.
أخيرًا، بمناسبة ما يحدث في مينيابوليس، يعرض على Netflix مسلسل رائع تم إعداده وإخراجه من قبل إيفا ديفورني، وهو يستند إلى أحداث قضية Jogger Central Park عام 1989 عندما تم إلقاء القبض على خمسة مراهقين من البشرة السوداء واتهموا زورًا باغتصاب وضرب والإعتداء على امرأة بيضاء في نيويورك وما أدى إلى الزج بهم في السجن ظلمًا. وتهجم آنذاك الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال مؤتمر صحفي، على المدانين بالجريمة وأنفقت الحكومة مبلغًا لنشر إعلانات في جميع أنحاء مدينة نيويورك لإعدام الصبية.
تمت محاكمتهم على جريمة بشعة لم يرتكبوها. ووضع الأولاد بأسوأ الظروف في السجن لسنوات، وأدانت الصحافة والإعلام هؤلاء الشبان الخمسة لمجرد كونهم من البشرة السوداء، ليتبين بعد سنوات أنهم جميعًا أبرياء.
إذا كنت مكتئبًا، لا تشاهده، لأنه سيلهب مشاعر غضب داخلك تجاه القمع والظلم بكل أشكاله في هذا العالم المقيت لأنك تعي جيدا أنها حقيقة لن تتغير عما قريب ولو أحرقت مينابوليس مرارا.
فرح شمص – ليبانون تايمز