“أم محمد” تجمع الخردة والبلاستيك: أريد دفع إيجار “شبه بيت”
تَجرّ الحاجة سليمة موسى، “أمّ محمد”، عربة مليئة بشتّى أنواع البلاستيك والخردة التي تبحث عنها في حاويات النفايات، أو تلتقطها عن الأرض في شوارع مدينة صيدا، غداة كل صباح، لتبيعها بعد ساعات طويلة في نهاية النهار، مقابل مال زهيد، تسدّ به رمقها ورمق عائلتها التي كانت مؤلفة من سبعة أولاد، قبل وفاة زوجها خضر موسى في حادث سير في العام 2005 واثنين من أبنائها، وجميعهم من دون أوراق ثبوتية.
معاناة وتقشف
ولا تُخف “أم محمد” استفحال معاناتها منذ اندلاع الثورة الشعبية في تشرين الأول من العام الماضي، ثم جاءت جائحة “كورونا” لتشكّل ضربة قاصمة لها. تراجع مدخولها كثيراً ارتباطاً بتقشّف الناس وفقرهم وجوعهم، فيما ارتفعت الأسعار، وبقي ثمن الخردة على حاله زهيداً، في ظلّ أزمة اقتصادية ومعيشية خانقة، فانعدمت قدرتها الشرائية وازدادت فقراً على فقر.
وتقول “أمّ محمد” لـ”نداء الوطن” إن عملها “ليس عيباً، وهو أفضل في كل الأحوال من مدّ اليد وذلّ السؤال، ولكن للأسف، حتى هذا العمل تراجع كثيراً، لأن الناس لم تعد تشتري الا الضروري ولا تترك خلفها الكثير، وخصوصاً “قناني” المشروبات البلاستيكية و”التنك”، قلّت وباتت من الكماليات”، قبل أن تردف:”أعمل في هذه المهنة منذ ربع قرن كامل، ولم تمرّ علي ظروف صعبة مثل هذه الأيام، لكن الحمد الله ما زلت مستورة حتى الآن، غيرنا بات يأكل من الحاويات نفسها، انها أزمة طاحنة و”الحبل على الجرار” والفقير يدفع الثمن كالعادة”.عمل وتعب
وعلى قاعدة للضرورة أحكام، قرّرت “أمّ محمد” مضاعفة ساعات عملها علّها تستطيع جمع ما كانت عليه سابقاً، غير آبهة لا بالتعب ولا بأشعة الشمس الحارقة. تؤكد “ليس باليد حيلة، عندي التزام بدفع ايجار المنزل المتواضع هو بالأصل شبه بيت، في منطقة “خط السكة” في تعمير عين الحلوة الأكثر حرماناً، إضافة الى تأمين لقمة العيش اليومية، والحمد لله لقد جاء شهر رمضان المبارك وازدياد ظاهرة التكافل الاجتماعي من الصدقات والفطرة، ليسدّ العجز الذي أعانيه، ولكن الخشية من بعد رمضان”! وتابعت:”عملت في السابق في أحد المطاعم، لكنّني صرت أشعر بالتعب نظراً إلى دوام العمل الطويل، فقرّرت جمع البلاستيك والخردة، وهو أمر لا يتطلّب ساعات طويلة من الجهد، بالرغم من أنّ غلّة اليوم ليست مرتفعة. في بعض الأيام، لا يتعدّى مدخولي العشرة آلاف ليرة وفي مرّات قد يصل إلى عشرين ألف ليرة، وادعو الله ألا يتراجع اكثر من ذلك”.
واشارت الى ان فيروس “كورونا” فرض عليها المزيد من الحذر والانتباه، وقالت: “في السابق كنت ارتدي الكمامات حتى لا أصاب بأي عدوى، اليوم أحرص كثيراً على ما أجمعه وأُضاعف إجراءات الوقاية الاحترازية، وابدّل الكمامات بين ساعات العمل او اذا اشتبهت بشيء ملوث”. وأكّدت أنّها لا تملك خياراً آخر، فلا معيل لها سوى جسدها الذي أنهكه التعب والهمّ، بالإضافة إلى ما تحصل عليه صدقة ومساعدة من أشخاص صاروا يعرفونها في مدينة صيدا وعين الحلوة.عودة الحياة
وعمل “أمّ محمد”، ليس الوحيد المُهدّد، فالأزمات تُلاحق أبناء المدينة في قوت يومهم، وكل يوم يُعلن عن إقفال محل او مؤسسة وآخرها “فرن أبو عرب– كعك” على الكورنيش البحري لمدينة صيدا، الذي كان يُعتبر “أكلة الفقير” نظرا لرخصها، والسبب يعود وفق ادارته الى “الأوضاع الاقتصادية وارتفاع سعر الدولار وتحمّل الفرق حتى إعتذرت وأعلنت أن كل فروع “أبو عرب” ستغلق أبوابها الى اشعار آخر، سائلة “الله أن يفرج عناّ ما نحن فيه ويرزق أهل البلد ويُعيد الأمن والأمان والصحة للجميع”.
وفيما بدأت مؤشّرات الحياة تعود الى طبيعتها تدريجياً مع تخفيف قيود التعبئة العامة، فتحت المحلات، وشهدت المدينة حركة ناشطة مع فتح المصارف ومحلات الصيرفة أبوابها بعد عطلة عيد الفطر المبارك، ودقّقت القوى الامنية في مدى التزام المواطنين بتطبيق التعبئة العامة وحركة سير المركبات لجهة ارقام المفرد والمجوز، واقامت حواجز ظرفية في عدد من شوارع المدينة، ولا سيما في شارع رياض الصلح قرب مسجد الزعتري وعلى طريق النافعة في البرامية، وسطّرت محاضر بحق المخالفين، وسط تشديد على ضرورة إرتداء الكمّامات.
المصدر: محمد دهشة – نداء الوطن