المحاميان وسيم كوثراني و رشا الحكيم: المؤجر والمستأجر الى مواجهة ثانية!

كتب المحاميان وسيم كوثراني و رشا الحكيم

أدت السياسات المعيبة المتعاقبة واستشراس الفساد في النظام اللبناني ، والصدمات المفاجئة، إلى نشوب أسوء أزمة اقتصادية منذ عقود تعصف بالبلاد ، وسط إنهيار كبير لعملته ، وإغلاق الشركات وتسريح الموظفين، وارتفاع مهول في الاسعار ، فبات خطر الجوع يلوح بالأفق ، خاصة مع تفاقم الانهيار الإقتصادي بسبب الإغلاق القسري المفروض من قبل الدولة منعاً لتفشي الوباء العالمي”كورونا”.
وفي ظل ضبابية الرؤية المستقبلية والتي لا تُبشر إلا بسنوات صعاب ونفقٍ مُظلم ،دخلنا حتماً فيه. تمخض عن هذه الفوضى العارمة ،اضطراب في العلاقات القانونية التي تحكم الأفراد ،,وبالتالي ستشهد الساحة اللبنانية صراع بين فئات المجتمع ، الناتج عن اختلال الموجبات المتبادلة ، في ظل واقع يحكمه ترقب سعر صرف جنوني للعملة الصعبة ،فتعددت أسعار صرف الدولار ، وأُدخلت الأسواق المواطنين في فوضى عارمة، لم تنجح معها تعاميم مصرف لبنان في تنظيمها ، بعد ان دخلت الاخيرة على خط تجارة العملة الصعبة ، وأعمال الصرافة بطريقة غير مباشرة ، فضاع المواطن بين سعر الصرف الرسمي المحدد من قبل الدولة ، وسعر الصرف المتصاعد ساعة فساعة لدى الصرافين ، وسعر صرف المعتمد من المصارف..وإلخ. وظهرت الازمة الأكثر ضراوة والمتعلقة بعقود الإيجارات ، والتي باتت تهدد الأمن الاجتماعي ، فالمواطن المهدد بامنه الغذائي والصحي ، بات على شفير الطرد من مأجوره ، تحت رُحمة سعر الصرف . وتضارب إزاء ذلك الجدل القانوني الدائر عن مصير عقود الايجارات التي نشأت قبل الأزمة والمعقودة بالعملة الأجنبية ،في ظل مطالبة المؤجر بأدائها وفقا للعملة المحررة بها العقود. وأمام غياب تشريعي دقيق يعالج هذه الحالات ، يحاول القانونيون مواءمة النصوص لأجل الخروج من دائرة الجدل القائم
. فقانون الموجبات والعقود اللبناني قد عرف العقد بالاتفاق الذي يؤدي إلى التآم بين مشيئة وأخرى لإنتاج مفاعيل قانونية وعلاقات إلزامية ، وأكدت المادة 166 منه أن قانون العقود خاضع لمبدأ حرية التعاقد ، فللأفراد أن يرتبوا علاقاتهم القانونية كما يشاؤون ،بشرط أن يراعوا مقتضى النظام العام والأداب العامة ، والأحكام القانونية التي لها صفة إلزامية . ويضيف القانون ذاته أنه يجب إيفاء الشيئ المستحق ذاته ، إلا إذا قبل الدائن غير ذلك وأنه عندما يكون الدين مبلغاً من النقود ، يجب إيفاؤه بعملة البلاد ( 301 موجبات وعقود )، إلا أن القانون قد منح للمتعاقدين الحق في اشتراط الإيفاء نقوداً معينة أو عملة أجنبية ، أي أن القانون اللبناني ، وحين لا يكون التعامل إجبارياً بالعملة المحلية ، أجاز اشتراط الوفاء بالعملة الأجنبية . فعقود الإيجارات المحررة بالعملة الأجنبية هي عقود صحيحة ، ولا يمنعها القانون اللبناني وهي متوافقة مع النظام العام ، ولا تتعارض مع نص قانون النقد والتسليف المادة 192 التي تنص على تعريض من يمتنع عن قبول العملة اللبنانية بعقوبات جزائية ، كون أن المادة المذكورة كانت واضحة بربطها الامتناع عن قبول الليرة بالقيمة النقدية المحددة في الماة 7و8 منه ،حين يكون الوفاء بالليرة اللبنانية .
إلا أن التساؤول يثور عن عملة الإيفاء حين ينص العقد على أداء بدل الأجرة بالعملة الأجنبية ، دون أن يمنح المتعاقدين خياراً بإيفائه بما يعادل هذه العملة بالليرة اللبنانية ،و أمام واقع الأزمة المتفشية في السوق اللبناني وشح الدولار ، وامتناع المصارف عن إعطاء المودعين مستحقاتهم بالعملة الأجنبية بات من المتعذر على المديون (المستأجر) الإيفاء بالعملة المحددة في العقد كعملة إيفاء ، لسبب لا يد للمديون فيه .وهنا تثور المشكلة الحقيقية ، وفق أي سعر صرف لليرة يمكن احتساب ما يعادل قيمة الدولار ، هل وفق سعر الصرف الرسمي في الدولة ،أم سعر الصرف المتداول في السوق السوداء للصيرفة ، أم سعر الصرف الذي باتت تتعاطى به المصارف والذي لا يطابق أي منهما !! واذا ما طالعنا نصوص قانون الموجبات والعقود المادة 221 التي تؤكد أن العقود المنشأة على الوجه القانوني تلزم المتعاقدين ، ويجب أن تفسر وتفهم وتنفذ وفاقاً لحسن النية والانصاف والعرف . وفي قواعد تفسير الأعمال القانونية نجد أن العبرة بنية الملتزم الحقيقية أو قصد المتعاقدين ، لا للمعنى الحرفي للنصوص ، وعند قيام الشك يفسر حتماً لمصلحة المديون لا الدائن ، وعلى القاضي من تلقاء نفسه أن يعتد بالبنود المرعية عرفاً ، وان كانت غير مذكورة في العقد صراحة
. وحيث أن واقع التعامل بين المستأجر والمؤجر ، قد درج عادة حتى في العقود المحررة بالعملة الأجنبية وحدها ، على أداءها بالليرة اللبنانية ، في كل مرة استحق فيها بدل الإيجار الشهري أو السنوي ، وهي لم تكن تلقى أي تحفظاً أو اعتراضاً من قبل الدائن المؤجر ، فجرى التعامل بقبض بدل الإيجار بالليرة اللبنانية ، وهو ما يعني تنازل المؤجر عن حرفية النص المحرر به عملة الإيفاء بالعملة الأجنبية ، وهذا التنازل الضمني يُعتد به لتفسير الموجبات المتبادلة في عقد الايجار ، وبالتالي وجب على المؤجرالاستمرار بقبول قبض الإيجار بالليرة اللبنانية على ذات الطريقة التي درج بها التعامل بين الطرفين وذات المقدار الإسمي لعملة الإيفاء بغض النظر عن تدني قيمتها الفعلية .أما في عقود الإيجارات المحررة بالعملة الأجنبية ، والتي درج التعامل فيها بين طرفي العقد على الإيفاء حصراً بالعملة الأجنبية ، وإزاء استحالة تنفيذ موجب بدل دفع الايجار بالعملة الأجنبية ، يقتضي حينئذن قبولها بالليرة اللبنانية ، على أنه يبدو من غير المنطقي ، إلزام المستأجر بغير سعر الصرف الرسمي الثابت والمعلن عنه من قبل الدولة ، وإرغامهم على أداء البدل وفق سعر الصرف المتداول في السوق السوداء ، وهو الناتج ليس فقط عن حركة تداول شح العرض وكثرة الطلب وإنما عن أعمال مضاربة غير مشروعة ، تسعى الأجهزة القضائية إلى محاربتها والحد منها ، خاصة بعدما ثبت تورط نقيب الصيارفة بأعمال المضاربة غير المشروعة ، التي تمس وتنال من مكانة الدولة المالية ومن الثقة بالنقد الوطني وتعرضه ومن يقدم على ذلك للملاحقة وفق الجرائم المنصوص عنها في قانون العقوبات اللبناني و قانون النقد والتسليف ، والقول بغير ذلك ، وبوجوب إرغام المستأجر على أداء بدل الأجرة وفق لسعر الصرف في السوق السوداء ، يعني أن يصبح المؤجر حلقة من حلقات التشجيع على المضاربة غير المشروعة التي تحاربها الدولة بمؤسساتها القضائية ، خاصة بعد امتناع الصيارفة عن الالتزام بالحد الأقصى لسعر الصرف الذي جرى تحديده في تعميم مصرف لبنان وثبوت التلاعب بسعر صرف النقد الوطني من خلال تشغيل عشرات الصرافين والوسطاء لسحب الدولار من السوق ،وجمعه تمهيداً لبيعه بسعر أعلى ، وبالتالي بات واضحاً أن الجزء الأكبر من أسباب الارتفاع الجنوني في سعر الصرف هو نتيجة أعمال غير مشروعة يتخطى السقف الموضوعي الذي كان يجب أن يصل اليه سعر الصرف والأخذ بالاعتبار العوامل الاقتصادية والمالية في البلاد.
وعليه يبقى المستأجر ملتزماً بأداء بدل الايجار بالعملة اللبنانية وفق سعر الصرف الرسمي المحدد من قبل مصرف لبنان (1510) ، ويجب على المؤجر قبول الإيفاء وفقاً للسعر الرسمي ، وذلك اتساقاً مع أحكام الموجبات والعقود التي تلزم المتعاقدين بعدم تجاوز أحكام النظام العام في إطار التزاماتهم التعاقدية ، كون أن السعر المتداول للعملة الأجنبية ما هو إلا عملية مضاربة غير مشروعة تخالف النظام العام في الدولة وتهز مكانتها المالية .
على أن الفوضى العارمة في البلاد الأخلاقية قبل القانونية ،تضع طرفي الايجارات المستأجر والمؤجر في مواجهة شرسة ، لا يحسمها إلا تدخل تدخل المشرع لوضع نص يعالج موضوع تدنّي قيمة النقد أو أي ظرف طارئ يؤدّي إلى إخلال الموجبات. والبت بالجدل القائم وأعادة التوازن في العقود.

يتبع …
ماذا لو تغير سعر الصرف الرسمي وتم تحرير الليرة .
ماذا عن العقود التجارية وعقود البيع .

شارك المقال:

زر الذهاب إلى الأعلى