كورونا: جدلية القرية الكونية والقرآنية الآمنة
نظمت المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان بالتعاون مع وكالة أنباء “إيكنا” ندوتها الفكرية الرابعة التي أقيمت ضمن سلسلة “جدليات كورونية” عبر الفضاء الإفتراضي تحت عنوان “كورونا؛ القرية الكونية والقرية الآمنة” (مقاربة فكرية حول مفهوم القرية الآمنة بعد تصدع مفهوم القرية الكونية ونظريات نهاية التاريخ وصدام الحضارات إثر التداعيات التي ولدتها جائحة كورونا).
أقيمت الندوة عصر الجمعة 8 نسيان 2020 عبر تطبيق Zoom Cloud Meeting، وشارك في نسختها الرابعة كلّ من:
الكاتب والباحث المغربي الدكتور ادريس هاني متحدثاً عن “كورونا ومصير القرية الكونية العالمية ـ نهاية التاريخ وصدام الحضارات؛ ما الذي تغير ـ”.
الأستاذ في الحوزة العلمية في قم المقدسة الشيخ صادق اخوان الذي تطرّق إلى “أزمة الهوية العالمية في ظل جائحة كورونا وسقوط نظريات المدارس الوضعية”.
عضو المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى ورئيس جمعية الفتوة الإسلامية في لبنان الشيخ الدكتور “زياد الصاحب” الذي تحدّث عن “القرية الآمنة وشريعة رب العالمين”.
الباحث الإسلامي والأستاذ الجامعي الشيخ الدكتور “محمد شقير” متكلّماً عن “إنهيار القرية الكونية والطريق الثالث”.
وأدار الندوة أستاذ علم الكلام والفلسفة في الجامعة اللبنانية الدكتور خضر نبها.
في بداية الندوة، تحدث المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان الدكتور عباس خامه يار، فاعتبر أنه منذ الأيام الأولى لوصول الضيف غير المرغوب به، غردتُ بأن “تبعات جائحة كورونا العالمية وعدم قدرة العالم على إدارتها ستستمر مع عواقب وخيمة على الإقتصاد والعلوم والثقافة والبيئة وأسلوب الحياة وحتى مستقبل الفكر البشري”. وواصلت القول إنّ “كوكبنا سيكون مختلفاً بشكل واضح ما قبل وبعد كورونا”.
أضاف خامه يار “ولكن اليوم، بعد مضي أكثر من ثلاثة أشهر على انتشاره، لم يكن بوسع أحد أن يتخيل أن عواقبه الجَمّة ستكون سريعة وساحقة لدرجة أن العالم الغربي المليئ بالمطالبات سوف يكون عرضةً بشكلٍ ساحقٍ إلى هذا الحد! لقد اكتشف كل من المُنظّرين والباحثين هذه الظاهرة من زاوية، ولكن المهم هو تأثير كورونا على النظام النيوليبرالي وعولمته وتمزق القناع عن الوجه الحقيقي لهذه المدرسة الفكرية وما يُسمّى بالنظام الدولي الحديث، والقرية الكونية المعبّر عنها بمصطلح العولمة”.
المستشار خامه يار قال “وأكثر من أي شيء آخر، تمكنت كورونا من ضرب ما يسمّى بالحضارة الناشئة والحديثة، واستهدافها بدقةٍ وبقوة استثنائية وذكاء هائل و إبداع مبتكر. أعاد هذا الحدث إلى السطح، نظريات “نهاية التاريخ والإنسان الأخير” لفرانسيس فوكوياما و”صراع الحضارات” الذي ألقاه صموئيل هنتنغتون، وهو نظرة غربية استعلائية علی البشرية جمعاء، ونتيجة لانهيار الإتحاد السوفياتي في عام 1991 والشغف الذي حصل بعد ذلك. لقد شوهت مفاهيم مثل الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والتكنولوجية المتفوقة التي بنى الغرب ادعاءاته عليها، وكشفت المفاهيم غير الواقعية لهذه المدارس ورؤيتها الخادعة للإنسان وعرضتها بشكل مخزٍ جداً.
أشار خامه يار أيضاً إلى أن كورونا ضربت عمق القاعدة الفولاذية علی ما يبدو والهيكل الفكري والسياسي والإقتصادي والمالي للقرية العالمية بطريقة تستغرق الكثير، للعودة إلى وضعها الأصلي.
وكشفت حرب كورونا العالمية عن ضعف نظام العولمة والإحتكار النيوليبرالي والمؤسسات التابعة له، في كافة المجالات ومنها الصحة والعلاج والخدمات، وفضحت أخلاقياتها، ووحشيّتها، وعدم تقيّد وكلائها في مختلف الأبعاد، ودرجة الحقد التاريخي والخبث والعنصرية وتفوقها على نظرائها، ولقد استطاعت الكشف عن مدی الفراغ في الهياكل والمنظمات والمؤسسات الرسمية الدولية الرفيعة المستوى وتمزيق القناع عن وجوههم الزائفة.
خامه يار شدد على أن هذا الوباء أظهر وجود مرضٍ متجذّرٍ في النسيج العقلي وخللٍ عميقٍ في النظام الرأسمالي اللاإنساني، وهو أكثر خطورة ورعباً بكثير من فيروس الكورونا نفسه، على غرار قطيع من الأغنام الذي وضَعه الغربيون في جدول أعمالهم لمرضى القلب المصابين بكورونا، ولكي ينتشر الفيروس إلى معظم الناس في المجتمع، ويتم إرسال المسنين الذين لا يستطيعون دفع تكاليف العلاج والذين يعتبرون عبئًا على المجتمع، إلى القبور؛ حتی يبقی الأصغر سناً والأكثر قدرة، على قيد الحياة وينجو من المرض ويحصل لديهم المناعة، لكي يكونوا قادرين على تحريك العجلة الإقتصادية الرأسمالية؛ فماذا يعني هذا؟ غير أنه يكون قانون الغابات وقانوناً ضد البشرية في صراع البقاء الحديث من وجهة نظر داروين؟ وهو معروض أيضاً بأبشع صوَره اليوم. وأظهر الداروينية الإجتماعية الحديثة التي تُذكّرنا بأيديولوجية هتلر العنصرية وقتله للمتخلفين عقلياً و إبادته للطبقات الإجتماعية وغير المنتجة في المجتمع بوحشية. وهذه المشاهد تذكّرنا بالسياسات التي يُسمّيها فوكو “إدارة الموت”.
وأردف خامه يار قائلاً: المشاهد التي تستعرض أمام أعيننا كل يوم، يبدو أن التاريخ يعيد نفسه بأقبح وجه. لقد أظهر كورونا أن العالم أصغر من قرية بكثير، وبطبيعة الحال، أكثر ضعفاً مما كان يُعتقد سابقاً. إذا كان كورونا إرهاباً بيولوجياً للدولة، فإن آثاره العالمية الضارة ستمنع مثل هذه الحروب في المستقبل، بمعنىً آخر، سوف يكون نوعاً من الترياق. في مواجهة هذا المرض المنتشر وعدم القدرة على محاربته بشكل مستمر، يجب أن تكون هناك عودة جادة للفلاسفة، من أجل أن تستعيد الكتب حكمتها ورزانتها وأن تتخلّص من الحجر الصحي في كهوفها الحديثة، باسكال وفلسفته الروحية عن القدرة المحدودة للعقل بالمقارنة مع اتساع وانتشار مساحة الإيمان، أيضاً. نعم فعلاً! يجب العودة إلى الفلاسفة الوجوديين مثل سورين كيركيغارد، الذين رأوا العقل، أقل شأناً من الإيمان ودعوا إلى “القفزة الإيمانية”، الإيمان الذي لم يستطع العقل التغلب عليه أبداً.
المستشار خامه يار توقف عند تدعيات كورونا فقال: إنّ ما يحدث اليوم هو النتيجة الطبيعية للعولمة والنظام الرأسمالي المتمرد والحداثة، التي يفتقر إلى القيم الإنسانية والمبادئ الأخلاقية. لا تزال كورونا في مهدها، والآن تم إزالة أقنعة النفاق عن مؤسسي ومديري الحداثة الجامحة واحداً تلو الآخر، وتم عرض وجوههم الحقيقية والمُرعبة، يبدو أننا في خضم ولادة عالم جديد. هذا العالم ليس عالم “رعاة البقر” الذي يفرض إرادته على الآخرين بإطلاق النار، ولا العالم الذي تمتلك فيه القوى المهيمنة السيطرة وحدها، ولا العالم الذي يمكن فيه إنكار التراث الإنساني، هذا “العالم الجديد” هو نتاج حرب صعبة وغير متكافئة مع عدو مجهول سيضرب دون أن يُرى، وسيجبر “إمبراطورية الهيمنة” وقريتها الكونية على الاستسلام..
واليوم، أكثر من أي وقت مضى، نحتاج إلى الإيمان الرومانسي لهذه المجموعة من الفلاسفة، مثل كيرك جارد، وبيركسون، وشلايرماخر، الذين اعتقدوا أنّ الحياة البشرية فارغة في غياب الإيمان. ما معنى وأهمية الحياة التي يعبدها العقل ولا يميل إلا إلى العلم ولا يری للروح دوراً في اكتشاف سر الوجود؟! فيجب علی المفكرين أن ينهضوا بوجه عبثية ما يحدث بناء علی فلسفة ميشيل فوكو حول تفوق “الحرية” على “الصحة”؛ الحرية التي ارتكبت الغرب ما ارتكبت من جرائم باسمها، أو حرباً مدمرة فرضتها على الأمم، أو أراقت دماءً وجرت أنهاراً منها!!! السؤال الأكثر إلحاحاً اليوم هو: ما قيمة الحرية وما تأتي بها ومفهومها، عندما يتم دفع أفواج الناس إلى حُفر المقابر، أو يتركون في جانب الأرصفة وشوارع في واشنطن وروما وباريس ليموتوا؟ وهم محرومون من الحد الأدنى من الخدمات الصحية والعلاجية والكرامة الإنسانية أيضاً؟!
الدكتور خامه يار ختم كلامه بالقول “اليوم أكثر من أيّ وقت مضی نحتاج إلی الإيمان بالقرية الآمنة التي أشار القرآن الكريم إليها: «وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ» ولا نكون من الذين كفروا بأنعم الله كما عبّر عنهم القرآن: فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ.
وبدوره، ألقى الكاتب والباحث المغربي الدكتور ادريس هاني محاضرة بعنوان “كورونا ومصير القرية الكونية العالمية ـ نهاية التاريخ وصدام الحضارات؛ ما الذي تغير” مشيراً إلى أن هناك مقاربات لبعض فلاسفة الیمین المحافظ الذي هو الآن یقود مصیر الحداثة السیاسیة والإقتصادیة في العالم ویشکل فلسفة المرکز أو مرکز المراکز في العالم الیوم وهو أن هناك أمراً واحداً یجمع بین مارکس ونیتشه کلاهما یهدف إلی النهایة أي کلاهما یتحدث عن النهایة، واحد یتحدث عنها برسم الحتمیة أنه حتماً ستنهار الرأسمالیة ونیتشة یتحدث یتوقف الأمر عنده علی الإرادة بناءً علی مفهوم الإرادة عن شوبنهاور، وکلاهما یتجه نحو المستقبل وأن یکون الرجل الأخیر أو السوبرمان.
وقال هاني: أرید أن أذکر بأمور بالدرایة لأنها منهجیة بالنسبة لي، بعضها یتعلق حینما نرید أن نعاقر موضوعاً حساساً الآن أصبح له علاقة حتی بالهواء الذی نتنفسه، یُقال دعنا من الأفکار المثالیة ولنتنفس هواء الواقع وطبعاً هذه الأمور تصدر من نوایا طیبة ولکنها خطیرة.
هاني أضاف: وما نحن بصدده هو تفکیك للفلسفات المؤسسة لهذا الطغیان والإستکبار العالمي. إن السیاسة إن لم تمارسها تمارس علیك، المفاهیم أیضاً ما لم تفهمها وتتفهمها فإنها لن تفهمك وستمارس علیك لأن هذه الفلسفات وهذه الأفکار تتحول إلی برامج ثم یأتي منفذوها.
الدكتور ادريس هاني اعتبر أن “مشکلة الحداثة کما یقول أحد کبار منظري الیمین المحافظ هي مشکلة وإشکالیة الفسلفة السیاسیة الحدیثة، ونجد هذا یتکرر في کل نصوصهم حتی “هانتینغتون” من غیر کتاب صدام الحضارات: نظام سیاسي في مجتمع متحضر یتحدث قائلاً: کلما تعصرن المجتمع ساد العنف وهکذا. إذن نتجه نحو قریة غیر آمنة.
هاني شدد على أنه “حینما نضیق عن المفاهیم والأفکار المؤسسة، سوف ننظر أو سوف نقع في نظریة المؤامرة بطریقة ربما لا تخدمنا أبداً، لذلك أنا أدعو إلی تهذیب فکرة المؤامرة. أنا حقیقةً أطلع علی کل ما ینتجون من هذا الفکر التآمري وأجد أن بعضهم عندهم قدرة علی التنسیق وطرح المقدمات وهي مقدمات صحیحة، ولکن الإستنتاج قد یکون خاطئاً ولکن في نفس الوقت لا نستطیع أن نطرح بمعنی أن نترك نظریة المؤامرة لأن العالم قائم علی هذا النوع من الظلم، الظلم الذي غدى فی صلب النظام الدولي.
وأردف قائلاً: ولهذا علینا أن نقول أن نظریة المؤامرة نظریة علینا أن ننظر من خلالها دائماً باعتبار أننا نتحدث عن المؤامرة کبرنامج، وهذا البرنامج لا یمکننا أن نفهمه إلا إذا عاقرنا المفاهیم. وعندما نتحدث عن الفارابي مثلاً نتحدث عن منظومة أخلاقیة ونتحدث عن فلسفة کاملة، نحن في العالم الإسلامي ندرك تماماً أي معنی لهذه العبارة حینما نربطها بالمدرسة العدلیة والقبح والحسن العقلیین وماغیر ذلك إذن نحن لا نعتبرها مسألة ترتبط بالبراغماتیة التي یعتبرها الیمین المتطرف مسألة ترتبط بالأساس. وطبعاً هذا الفکر نابع من صدمة تاریخیة وفي الغالب حین نتابع جیولوجیة الأفکار نجد أن هناك حدثاً مأساویاً یرتبط بجماعة ما وعادة ما یتعلق بجماعة یهودیة، وطبعاً الیهود بعضهم کان صهیونیاً والبعض لا. وعندما نتحدث عن القریة نقترب من مفهوم الحضارة في القرآن، والقریة في القرآن هي القریة الآمنة، والقریة الغیرآمنة هي التي لا یمکن أن یکون لها نهایة، أي عندما نتحدث عن نهایة التاریخ هي شهادة زور علی تفسیر خاطئ لـ هیجل لأنه تکلم في الإطار المفهومي العام لأن النیولیبرالیة حینما تأسست ونحن نتحدث عن مدرسة شیکاغو، ولذلك حتی عندما أناقش هانتینغتون في النموذج الحضاري الذي قدمه بدل نموذج الحرب الباردة، والمشکلة أن الحرب الباردة لم تنته مفاعیلها، إنما أسقطت الإتحاد السوفیتي وکان یجب أن تسقط الرأسمالیة أیضاً، ولکنها خرجت واستمرت ولکن هذا الإنهیار هو آت وإنهم یعیشون ذلك ویدرکون حالة الجزع لأننا لو درسنا جیداً مفهوم القیم من بنتام وحتی البراغماتیزم الأمریکیة، سنجد حتی ما معنی السعادة وهي تعني “الدیموقراطیة الإله الذي فشل” وهي مفهوم ثوري.
وختم إدریس هاني بالقول هذا یعني أننا أمام موجبات انهیار هذه الحضارة وهذه القریة التي سوف تنقلب علی عروشها ولکنهم یریدون أن یهربوا بأکیاس الربح.
من جهته، ألقى عضو المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى ورئيس جمعية الفتوة الإسلامية في لبنان الشيخ الدكتور زياد الصاحب محاضرة بعنوان “القریة الآمنة وشریعة رب العالمین”، فقال “الغرب المؤمن بالقریة العالمیة أصبح یفتش عن السعادة خارج قریته وفي الإسلام”.
الشيخ الصاحب أشار إلى أن “فیروس کورونا المستجد أظهر ضعف الغرب، وعلينا أن نعلم جمیعاً بأن العالم بعد کورونا لیس هو العالم قبل کورونا، بمشیئة الله إهتز العالم وبإرادة الله، الدول التي اهتزت هي الدول الکبری أي الدول التي هي صاحبة العولمة والقطبانیة وهي الدول الکبری، وکل هذه الدول الکبری والعملاقة لم تستطع فعل شیئ بل عجزت کل العجز أمام هذا الفیروس الذي لا یُری بالعین المجردة، وهذه قدرة الله سبحانه وتعالی. وهنا إشارة ربانیة ورسالة إلهیة للبشریة کلها لکل أهل الأرض تفید بأنکم إذا ما حصل عندکم الغرور والغطرسة والإستکبار فأنتم ضعفاء أمام قدرة رب العالمین”.
الشيخ الصاحب بيّن أنه في ناحیة معینة وفي نقطة مرکزة عظمة الإسلام ولنفتخر بدیننا الإسلامي وسنة نبینا (ص) حتی أصبح الغربیون یشعرون أنه البدیل مؤکداً أن انتشار الإسلام فی الغرب لم یبدأ مع الکورونا إنما بدأ في الخمسینيات، وهذه الصحوة الإسلامیة في الغرب تزید یوماً بعد یوم. وإن الغربیین أصبحوا یفتشون عن السعادة الروحیة والنفسیة التي توصلوا إلی أنها لا تتحقق إلا بالإیمان والغذاء الروحي والغذاء القلبي کما قال تعالی “أَلاَ بِذِکْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ”.
الشيخ الصاحب قال “وکلنا نری انتشار الأمراض النفسیة وخاصة في الغرب حیث تنتشر الأمراض بکثرة، ومن هنا أرکز أن الإسلام هو البدیل لأن شریعة رب العالمین هي المعصومة وهي الشریعة السمحة الربانیة والتي ذکرها سیدنا رسول الله (ص). ومن ناحیة الأمن الصحي لعلکم سمعتم بما نشرته في 15 آذار مجلة “نیوزویك” الأمریکیة وهي تعتبر أشهر مجلة أمریکیة من تقریر طبي لدکتور ذکر عظمة رسول الله (ص) عندما تحدث عن الکورونا وعلاج هذا الوباء. قال “أن أخصائي الأوبئة علی المستوی العالمی وذکرهم بالإسم قال إن هؤلاء یوصون بالنظافة وغسل الیدین فیتساءل الکاتب في المجلة هل هناك من یعرف من أوصی بهذا العلاج قبل هؤلاء الأخصائیین؟ إنه محمد رسول الله (ص) منذ 1400 سنة”.
وقال النبی (ص): “إذَا سمِعْتُمْ الطَّاعُونَ بِأَرْضٍ، فَلاَ تَدْخُلُوهَا، وَإذَا وقَعَ بِأَرْضٍ، وَأَنْتُمْ فِيهَا، فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا متفقٌ عليهِ” فیقول الکاتب أن ما أشار إلیه رسول الله (ص) هو الحجر الصحي.
وفي الإسلام في أي مناسبة فیها زحمة لدینا الإغتسال، وهو عمل محبب علی سبیل المثال قبل صلاة الجمعة یقوم المسلم بالإغتسال وبعد الجنابة یقوم المسلم بالإغتسال، وعند صلاة العید یقوم المسلم بالإغتسال وعند أداء مناسك الحج یقوم المسلم بالإغتسال.
الشيخ زياد الصاحب ختم كلامه بالقول أن المدارس القيمية كالمدارس المنتسبة إلى الديانات الإلهية تعطي للإنسان كرامة ذاتية.
ومن جانب آخر، ألقى الأستاذ في الحوزة العلمية في مدينة قم المقدسة، “سماحة الشيخ صادق اخوان” مداخلة بعنوان “أزمة الهوية العالمية في ظل جائحة كورونا وسقوط نظريات المدارس الوضعية” جاء فيها:
“حقيقة نحن لما نشاهد المدارس الوضعية خصوصاً في القرون المتأخرة نشاهد أن تعاملها مع حقيقة الإنسان وهوية الإنسان إنما هو تعامل آلي، يعني تتعامل معها كأدوات الإنتاج وتتعامل معها باعتبارها أدوات تنفع الفائض الإقتصادي أكثر مما تتعامل مع هويتها على أساس أن لها قيمة ذاتية، وهذا لم یکن الا تحقیراً فاضحاً لهویة الإنسان.
الشيخ اعتبر أن المدارس القيمية كالمدارس المنتسبة إلى الديانات الإلهية، نشاهد أنها تعطي للإنسان كرامة ذاتية كما قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ” وكذلك قال “إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً” يعني أنّ الإنسان یُمنح الکرامة الذاتیة وبها یصل إلی مقام الخلافة الإلهية العامة.
أضاف الشيخ اخوان “إذا قسنا هاتین الرؤیتین فنحن نشاهد نقائص جلیّة بارزة في المدارس الوضعیة التي قامت علی اُسس نفعية متبنیة أصالة المادة. هذه وإن کانت ذات جذور تاریخیة ولکنها قد اجتاحت الثقافة الغربیة من بعد الثورة الثقافیة، بحیث خیمّت المدرسة التجريبية المحضة کمدرسة فرانسیس بیکن ودیفید هیوم وجون لوك بل حتی غیر المتمحضة في المادّیة کمدرسة دیکارت وغیره من الفلاسفة الغربیین في القرون الأربعة المنصرمة علی جمیع مساحات الثقافة والتعلیم والمجتمع. حتى یصل الدور إلی “هيجل” فیعمل انقلاباً في أسلوب التفکیر وطرقه بعرض منطق جدید متفاوت عن المنطق الصوري المتجانس مع البتّیة والیقین والدلیل والبرهان المتحکم في حقول العلوم البشریة منذ عشرات القرون.
فالمنطق الجدلي الذي عرضه هیجل، أضاف الشيخ اخوان، شیّد ودعم المدرسة المادّیة بفصلها الکامل عن المعنویة والروحانیّة حتی آل الأمر إلی تأسیس المدرسة المارکسیة والإشتراکیة بواسطة تلامیذه. وأما مادّیة الأخلاق فالمشهود الیوم أن التفکیر الحاكم علی مجالات الأخلاق الإجتماعي والسیاسي في العلاقات العامة والدولیة إنما متقوّم علی دعم سلطوية قهریة للمجتمع الغربي بثقافاته وطقوسه وأنماط حیاته على جمیع المجتمعات والثقافات بصورة ماکیافیلية، يعني حکومة المدرسة التي تتركز على أصالة النفع الذاتي وأنه في جمیع مجالات الحیاة الغایة تُبَرّر الوسیلة.
وشدد الشيخ اخوان على أن “هذه الجائحة التي يشهدها العالم منذ ثلاثة أشهر أوجدت زلزالاً أممیاً في شتی مجالات الحیاة من الأسس النظریة للحضارة المدنیة إلی الأسالیب الإجتماعیة في إدارة المجتمع حتی الوصول إلی نمط حیاة المجتمع الغربي بل العالمي.
مهما حاول بعض زعماء الإستكبار العالمي التستُّر علی هذا التحوّل والإنقلاب الذي ینبئ عن دق النواقیس للإعلان عن انهیار القیم والمعاییر الغربیة وعدم جدارتها لکي تکون هي الممتازة والأمثل والأسوة في المسرح العالمي.
وأردف الشيخ اخوان قائلاً: فالفشل الذریع للمدارس والنُخَب الإجتماعیة الغربیة في مواجهة جائحة کورونا، مع ما کانت تذیع من ادعاءات ومبالغات في ساحة نمط الحیاة وحلّ الأزمات المادّیة والروحیّة بصورة تکون هي وحدها الجدیرة بالتحکّم والتدخّل في المدارس والجامعات الأوروبية والأمريكية بل العالمیة. فالعالم الیوم یشاهد في ظل هذا الوباء، أنَّ جمیع هؤلاء يعترفون بحقارةٍ وذلةٍ وخسّةٍ أنّهم عاجزون عن عرض وَصفة اجتماعیة وأخلاقیة وبرنامج متکامل لمعایشة ومواجهة هذا الوباء، ولم یکن ذلك إلا لجهلهم بحقيقة الهوية البشریة والإنسانیة.
وتابع الشيخ اخوان: نحن لما نتحدث عن القرية الكونية التي عوضناها بالقریة الآمنة، إنما كان الحديث عن العنجرة والسيطرة لفئة خاصة تتوهم بأنها هي مفضلة وممتازة كما يعتقد بعض اليهود بأنهم هم الشعب المختار، وما سواهم لم يكونوا إلا الخول والعبيد لهم. نحن اليوم شهدنا أن الإمبريالية العالمية في ظل الفلسفة البراجماتية أو النيولیبرالية التي أنقذت في بعض الفترات الرأسمالية الغربية لكي تتحكم وتكون مدعية في مطلع القرن الحادي والعشرين بأنها جدیرة بالتحكّم على العالم كأنها القرية الكونية المصغرة. فعلی ضوء ذلك لا بد على جميع الحضارات والثقافات أن تنتهي بتمامها وتذوب بأكملها وأن الشعوب جمیعها تنفصل انفصالاً کاملاً وتتبرأ براءة تامةً عن جميع ما كانت تمتلكه من الثقافات والحضارات لكي تذوب في ما يسمى بالحضارة الغربية. ولكن اليوم نحن نشاهد أن هذه العنجرة بظهور هذا الوباء وعجز وفشل الثقافة الغربیة في مقابلتها لا طبیاً فحسب، بل حتّی اجتماعیاً وأخلاقیاً، بالأخص بعد شیوعها وانتشارها في المجتمع الغربي بصورة واسعة ورهيبة.
الشيخ اخوان اعتبر أن هذا الوباء قبل أن يصل إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، قد اجتاح الكثير من الدول الإسلامية والشرقية، منها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولكن لم نشهد ولم نسمع بعشر ما شهدنا جزءاً قلیلاً وزوایة صغیرةً من التوحش الفظیع والهمجیة عبر الکلیبات ووسائل الإعلام العالمیة عمّا جری في تلك المجتمعات الغربیة.
وسأل الشيخ اخوان عن الفرق بين المجتمع الإسلامي بل الشرقي والمجتمع الذي يدعي بأنه متحضر وصاحب الحضارة والثقافة ونمط الحیاة المتمیّز الذي يجب أن تذوب فيه جميع الحضارت والثقافات؟
لماذا تلك الشعوب الهادئة والمنظمة، والسلمية والمسالمة تنقلب في طرفة عین إلى وحوش کأنّها تصول وتجول في ساحات القتال والنهب؟
الشيخ اخوان توجه إلى الله تعالى وببركة هذا الشهر الفضيل أن يعَجِّل في زوال هذه الكارثة الإنسانیة بأكملها. وقال: إنما العصر الذي نستقبله في ما نعبر عنه بعصر بعد كورونا يكون عصر انهيار القیم والمعاییر والمقاییس المفروضة من قبل الغرب علی العالم في شتّی مجالاته، فلا یکون انهیار بحت بل إنّما یتقارن هذا الإنهیار مع ظهور وبزوغ مدارس جديدة وإنما تکون تلك المدارس قيمةً وتحمل معاییر ومقاییس عقلانیة حکیمة رسالیة، تلك المدارس التي في ظلها تتجلّی وتظهر وتتسلط القیم المعنوية والخلقية، المعايير غير النفعية المتمحورة علی نفع الذات.
نحن الیوم نشاهد بوارق ظهور هذه المدارس والرؤی حتى في المجتمع الغربي، حتى في معاهد البحث العلمي التابعة للجامعات الغربية، فهناک أصوات قد اعتلت ورسالات قد بدت تلوح معالمها وسماتها إنما هي تأتي بمعايير متفاوتة لتحقيق ما عُبِّر عنه بالقرية الآمنة.. إنما الذي يليق بهذا العنوان وسيكون آنذاک إنما تطوّر هذه القرية الآمنة إلى مرحلة البلد الأمين الذي يتوخاه وینتظره العالمون. ذلك البلد الأمین الذي کان يحلم به ويتنماه كل إنسان صاحب نفسية سامیة نزيهة وبشرت به الکتب السماویّة والدیانات السماویة، ذلك البلد الذی یتمنّی العيش فیه جميع البشرية الذين فطروا على فطرة الله تعالى محققاً طموحات وأحلام الأنبياء والأوصياء، والمؤمنين والمصلحين وجميع المستضعفين في التاریخ.
حتى تظهر تلك الحضارة التي لا نجد فیها أي علامة للظلم ولا الطغيان ولا التميز، لا الإزرداء والتحقير بل جميع الناس سوية وعقولهم مكتملة يتبعون فطرتهم ورشدهم وهذا وعد من الله تعالى كما جاء في القرآن الكريم “وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًاً”.
وختم الشيخ اخوان كلامه بالقول: إن الله سبحانه وتعالى وعد بانتصار المستضعفین من جیمع الجهات “وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ”. ومن أبرز القضایا التي نالها سوط الإستضعاف إنما هي الثقافة القیمیة الأخلاقیة وخصوصاً ما حصل في القرن المنصرم من دمار الثقافات وغزوها وغزو الحضارات عبر شتی الوسائل والأسالیب انطلاقاً مما یسمّی بالفن من الهوليوود والبوليوود، وما تبثه من مسلسلات ومسرحیات الفضائیات، وما ینشر عبر الشبکة العنکبوتیة الإنترنت، وتهدف جمیعها إلى غسیل أدمغة النُخَب في العالم حتى تزول المدارس القيمية والفطرية والإنسانية لتتهيأ هیمنة المدرسة السلطویة الإستعمارية التي تنهب الثروات.
بدوره تحدث الباحث الإسلام وأستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانیة الشیخ الدكتور محمد شقیر حول “انهیار القریة الکونیة والطریق الثالث”، فاعتبر أن “موضوع الندوة هو عبارة عن إشارة إلی التفکیر بطریقة ثالثة ونحن کـ متدینین وإسلامیین نتحرك بهذا الإتجاه، وقد کتبت مقالین في هذا السیاق الأول حول الرأسمالیة والثاني حول المارکسیة.
ولعلنا جمیعاً نتفق علی هذه النتیجة الدالة علی انهیار أطروحة الرأسمالیة بجمیع تعبیراتها وخصوصاً فیما یرتبط بالنیولیبرالیة التي سخرت أمرین هما “الدیموقراطیة” التي هي أداة من أدوات النیولیبرالیة و”اللیبرالیة” أیضاً بمفهومها السیاسي والإجتماعي والفردي التي کانت وما زالت من أدوات النیولیبرالیة.
والحل بعد انهیار الرأسمالیة، قال الشيخ شقير “لن یکمن في العودة إلی المارکسیة، ولو لدی البعض نوع من الحنین المارکسي”.
وهناك الإشتراکیة الدیمقراطیة وهناك الإشتراکیة المارکسیة الأولی طبقت في بعض الدول الإسکندینافیة وهي تتماشی مع مفهوم ومعنی العدالة بالمفهوم الدیني والإسلامي.
أضاف الشيخ شقير: وهناك الطریق الثالث والحرکات الإسلامیة التي ترفع شعار الإسلام هو الحل، ولکن أعتقد أنه لیس شعاراً فحسب، إنما نحن ننظر له بمثابة بدیل حضاري علی المستوی الکوني وما یرتبط بما تعاني منه العولمة، وعلینا أن نقدم أطروحة متکاملة، هذه الأطروحة یمکن أن تستجیب للهواجس والأزمات الکبری التي تطرح.
ونحن علی المستوی الفکري الإسلامي لدینا مدارس فکریة وتیارات فکریة متنوعة وأصل الإختلاف بالتاریخ الدیني أمر واضح بما في ذلك علی المستوی الفکري والثقافي والآیدیولوجي.
الشيخ شقير شدد على أنه “وعندما نقول إننا نرید تقدیم طریق بدیل، ولدي کتاب طبع بمرکز الحضارة بعنوان “فلسفة العدالة وإشکالیات الدین والدولة والإجتماع الإنساني” ونحن عندما نرید أن نقدم طریقا ثالثاً، یجب أن یرتکز علی العدالة کقیمة أساسیة تأسیسیة معیاریة مطلقة، وأقول إننا إذا أردنا طرح هذا الطریق الثالث علینا العودة إلی العدالة دون أن نفارق القیم والأسس الدینیة”، قائلاً: والقرآن الکریم عندما یتحدث عن الرسالات “لَقَد أَرسَلنا رُسُلَنا بِالبَيِّناتِ وَأَنزَلنا مَعَهُمُ الكِتابَ وَالميزانَ لِيَقومَ النّاسُ بِالقِسطِ” ونحن عندما نتحدث عن نهایة التاریخ، نحن نشترك مع کل النظریات بأن هنالك نهایة للتاریخ، لکن إذا کانت نهایة التاریخ عند “فوکویاما” وغیره هي رأسمالیة أو لیبرالیة، فنحن نعتقد علی المستوی الدیني بأن نهایة التاریخ هي نهایة خلاصیة وبأن نهایة التاریخ علی المستوی الإسلامي هي نهایة مهدویة.
الشيخ شقير أكد على أن “جوهر هذه النهایة المهدویة هي نهایة عدالتیة تقوم علی أساس العدالة حیث یملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، وأن کل الأطروحات الحضاریة سوف تنتهي إلی الإنسداد الحضاري وهذا سیحصل وأن هذا الإنسداد الحضاري بنفسه سوف یمهد الأرضیة علی کافة المستویات بظهور هذه العادات”.
إذاً نحن نعتقد أن نهایة التاریخ هي نهایة عدالتیة، قال الشيخ شقير، وأن جوهر الرسالات الدینیة هو جوهر عدالتي، والسؤال هو أین نحن من هذا المعنی؟
وعندما نتحدث عن العدالة یقول مشایخنا إن هذه هي الشریعة ونحن جمیعاً متشرعون. ولکن السؤال هو هل جوهر العدالة کما قدمه الدین یکمن فی الشریعة؟ طبعاً الشریعة ربما من تجلي العدالة ولکن جوهر العدالة یکمن في شيئ آخر، برأیي یکمن في البعد المعنوي والأخلاقي والتربوي الذي جاءت به الأدیان. وهنا تظهر ضرورة تعریف الدین بأنه بالدرجة الأولی هو تعریف العدالة وعندما رأیت محوریة العدالة علی المستوی الدیني والإسلامي طبعاً أصبح عندي نوع من الشغف إلی أن وجدت بعض النصوص الدینیة تتحدث عن العدالة هي الإنصاف، وهي واردة عن نصوص أهل البیت (ع) ولیس ذلك المقصود لدی الغرب لأنه لم یتعدی المقاربات المادیة. والإنصاف یعني أن تحب لغیرك ما تحبه لنفسك وأن تکره لغیرك ما تکرهه لنفسك، وهذا یعني حتی تکون عادلاً لا بد أن تخرج من سلطان “الأنا”. إذا أردت أن تصنع العدالة علیك أن تصنع إنسان العدالة وما لم تصنع إنسان العدالة لم تصنع مجتمع العدالة وما لم تصنع مجتمع العدالة لن تستطیع أن تصنع اقتصاد العدالة ولا دولة العدالة ولا توزیع للثروات من مبدأ العدالة ومهما أردت وضع سیاسات ضریبیة لن تستطیع أن تبلغ العدالة. إذاً الطریق الثالث یکمن بشکل أساس في العدالة وأن العدالة التي نتحدث عنها ذات مضمون حضاري. هذا تأسیس ولکن عندما تحدد المنطلق برأيي تحقق مبدأ لصناعة منظومة حضاریة تبتنى علی قیمة أساسیة.
الشيخ شقير سأل: وأین هي الأدیان من هذا الأمر؟ بتقدیري، الدین یقوم علی هذا المضمون أولاً. القرآن الکریم عندما یتحدث عن الهدف من إرسال الأنبیاء والنبي محمد (ص). والتزکیة برأيي هي الأداة التي تقود إلی تلك النتیجة. وبرأيي أن الدین یأخذنا إلی هذا المعنی إذا ما تخلصنا من هذه العوائق لأن هذه العوائق هي التي تعیق فهمنا من الدین بشکل صحيح.
وختم الشيخ شقير كلامه بالقول: بتقدیري إذا استطعنا أن نفهم دیننا وأن نقدم أیدیولوجیة عدالة وأن نتجاوز طغیان البعد الفقهي والکلامي في الدین، سوف نسلك الطریق الصحیح لأننا الآن نحاول أن نقدم أنفسنا كبدیل حضاري وهذا الخیار البدیل هو خیار أخلاقي یرتکز علی الأخلاق بشکل أساسي، وهذا یحتاج إلی أن نعید فهم الدین ونعید التوازن بالأبعاد المعرفیة القائمة في الدین.
وهذا الضعف في الجانب الأخلاقي والمعنوي علینا أن نقوم بترمیمه وأن نؤسس المنظومة الدینیة علی هذا الأساس، وإذا استطعنا سنکون قادرین علی تقدیم عدالة تقوم علی الأخلاق لیکون هذا المضمون بمثابة تمهید لیوم العدالة المهدویة لأن التمهید للعدالة یجب أن یکون بالعدالة.
بعد ذلك قُدمت مدخلات لكل من الأستاذ في الاعلام الدكتور حسن حميّد فقال: هل نصّدق بأننا في قرية كونية؟ هل هذا الأمر حقيقي؟ في رأيي أن هذا العالم لم يكن في لحظة من اللحظات قرية كونية، هذه فكرة طوباوية مثالية. مع الأسف الشديد كلنا نحاول سواء من جهة الإقتصاد أو السياسة أو من جهة الدين أو العلاقات أو من الجهة القيميّة، نحاول أن نجعل هذا العالم قرية كونية.
الباحث السیاسی د. ناجي أمهز قال: الظاهر أن هناك فهم خاطئ للقرية الكونية، القرية الكونية هي ليست قرية افلاطون الفاضلة، القرية الكونية هي أن هناك نظام من العالم يحاول أن يسيطر على كل مفاصل هذا العالم، ومثل ما تفضلتم سعادة المستشار، قد نكون في مكان ما قادرين أن نبعد عنها، لكنها موجودة ومفروضة، مثل هذا التواصل بيننا وبينك، اليوم هناك عقوبات تُفرض على الدول بكبسة زر، مما يدل على أن العالم في سنة 1700 بدأ النظام العالمي بالبحث عن خلق قرية كونية لكي يسيطر عليها وعلى كل مفاصل قوتها واقتصادها والهيمنة على قرارها السياسي والإجتماعي.
المفارقة أن جائحة كورونا أتت لتلتهم هذه القرية الكونية، أتت ودمرّت جميع هذه المفاصل، لأن الدول التي عانت من جائحة كورونا بسبب النظام العالمي الذي يسيطر على مفاصل التجارة والصناعة حوّل هذه الدول إلى أسيرة تستعطي…
الدكتورة ليلى شمس الدين قالت: عندما نتكلم عن منظومة فكرية جديدة تربوية، ثقافية، سياسية، اقتصادية، اعلامية، منظومة متكاملة لكي نصل إلى القرية العادلة الآمنة المركزة على العدالة، يجب بداية أن نتفق على كل هذه المفاهيم.
أريد أن أطرح سؤالاً إشكالياً، ماذا ينفع إذا انتقلنا من سياسة قطب واحد يحكم هذا العالم، إلى سياسة قطب آخر يحكم هذا العالم، البحث يجب أن يكون في جوهر هذا القطب، لأننا أمام إشكالية كبيرة ترتكز على لا عدالة الحاكمية السائدة في هذا العالم، في كل قطاع العالم.
يذكر أن الندوة الخامسة ستكون في الخامس عشر من أيار بعنوان “كورونا: جدليات الهوية الإنسانية”.
وسيشارك فيها: إمام الجالية اللبنانية في السنغال ورئيس المؤسسة الإسلامية الإجتماعية الشيخ عبد المنعم الزين، الكاتب والأستاذ الجامعي الجزائري د. نور الدين ابو لحية، الباحثة والكاتبة إيمان شمس الدين، ورئيس أساقفة صور وتوابعها للروم الكاثوليك المطران ميخائيل أبرص.